الدم الجزائري الـمُراق في العراق

رخُس الدم الجزائري في عروق أبنائه، وفي فجاج موطنه، فهان على أهله، وعلى الناس.
فقد أضحى الدم الجزائري مسفوكا في الجبال، والمرتفعات، وفي الأودية، وعلى الطرقات، وتعدى ذلك إلى سجون الأجانب والشقيقات..
فما كانت توصف به بلادنا من أوصاف التكريم والتعظيم، فتقدم للناس على أنها جزائر العلماء الأخيار، والمجاهدين الأبرار، والشهداء الأطهار، والمواطنين الأحرار، نسفته ظواهر الإرهاب والاغتصاب، والانتحار والانفجار، والتهجير والتبذير، فسطا على سمعة بلادنا الكبير والصغير، والطويل والقصير.
فمن سجن غوانتنامو السيئ الذكر الخطير، إلى سجن أبي سليم الشهير بالمنكر والنكير، في هذه السجون المظلمة يسام الجزائريون والجزائريات خسفا، بالتعذيب والترهيب، والتهريب، والشنق، والسحل، والتخريب، دون أن تبكيهم نائحة، أو تندب معاناتهم لائحة.
وآخر ما طالعتنا به الصحف إعدام الجزائري عبد الهادي… على أيدي حكام النظام العراقي، وعلى مرأى ومسمع من الحكومة الجزائرية، دون أن يُساءل حكام العراق: بأي ذنب أعدم عبد الهادي؟
لسنا –عَلِم الله- ممن يحشر أنفه في السؤال عن أشياء، إن تبد لنا، قد تسُؤْنا، ولسنا –شهد الله- ممن يذود عن المقاومين للاحتلال، أو يندد بعملهم، فذلك أمر كبير، وسر أكبر، كما أننا لسنا ممن يدافع عن النظام العراقي، وقد علمنا أنه واقع تحت حماية القوات الأجنبية المحتلة للعراق الشقيق، ولكننا –في كل الحالات- مع العدل، والحق، وأن من العدل أن تشرك دول المحاكمين في محاكمتهم، وفي أبسط قواعد الأخوة العربية أن يحالوا إلى بلدانهم لمحاكمتهم، ومعاقبتهم إن ثبت “جرمهم”.
وعليه، فإننا نعتبر التجرؤ من النظام العراقي على إعدام الجزائري عبد الهادي، أيا كانت التُّهم المنسوبة إليه، هو مساس بسيادة وعدالة الجزائر، وهو عدوان على ذاكرة المليون شهيد جزائري، والأنكى من كل هذا، أن يمر هذا الإعدام دون أن تحرك حكومتنا الموقرة ساكنا، وكأن هذا الجزائري الذي أعدم، قد نزعت عنه –بدون محاكمة- جنسيته الجزائرية.
كنا نظن –وبعض الظن ليس بإثم- أن الاعتداء على أي كائن جزائري، حتى ولو كان حيوانا، سينجر عنه رد فعل جزائري انتصارا للجنسية التي يحملها، ولكن ما نخشاه في ضوء ما حدث، أن النظام العراقي سيتشجع على إعدام آخرين، وأن أنظمة أخرى عربية وغير عربية، ستأخذ القدوة السيئة من العراق، فتقدم على إعدام جزائريين آخرين ما داموا لا يملكون المحامي البارع الذي يحميهم، والسياسي المقارع الذي يبكيهم.
وتعالوا بنا إلى قصة الشاب عبد الهادي وإخوته الذين ذهبوا إلى العراق، بعدما هجروا الأهل والديار، ليشتركوا مع أبناء العراق في مقاومة المحتلين الأغيار، أليس من الأجدى أن نستمع إليهم، ونحاورهم، ونقنعهم بالحجة والبرهان، بدل أن نخمد أصواتهم بالمشنقة والنيران.

واعتمادا على شهادة أسرة عبد الهادي، فإن الدافع الحقيقي لانخراط ابنهم في المقاومة العراقية، هو الانتصار للسيادة العراقية ضد الاحتلال، وللكرامة الإنسانية ضد اغتصاب الحرائر من العراقيات. فإذا صح هذا، فإن عبد الهادي الجزائري يكون قد مات دون أرضه وعرضه، وبالتالي فهو شهيد.

وعلى كل حال، فأيا كانت الدوافع التي دفعت بأي شاب جزائري إلى تحمل عناء السفر، والتضحية بالأهل والنفس للانخراط في صفوف المقاومة العراقية بالذات، فإن ما يعنينا هو وجود تأزم داخل الفكر الشبابي الجزائري.

نحن مطالبون بمعالجته، والكشف عن أسبابه، وضرورة تكفل الجميع به، بدءا من الدولة، وانتهاء بالعلماء والمفكرين.

ورحم الله الشاعر العراقي الحر أحمد مطر في قوله:

حلقوا لي الراس

واللحية والشارب

لا بل نتفوا لي حاجب العين

وأهداب الجفون

كيف إذن أضمن ألا يذبحوني؟!

انتحر

أو مُت

أو استسلم لأنياب المقون

Exit mobile version