هذي طبيعتهم.. فما طبيعتنا؟ / التهامي مجوري
نهاية الأسبوع الماضي تحركت الشعوب الإسلامية، بمسيراتها وتجمعاتها، احتجاجا على ما قام به سفهاء الكفار، من استفزاز للأمة، بالإساءة للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.
كما قامت بذلك منذ سنوات، في قصة ما عرف بالصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي قام بها إعلاميون دنمركيون ونرويجيون، وكما احتجت على الروائي الهندي سلمان رشدي، حينما نشر روايته المعروفة التي عرفت العالم به وهي “آيات شيطانية”، وقد وصل الاحتجاج يومها إلى حد فتوى وجوب قتل سلمان رشدي، أصدرها آية الله الخميني، كما احتجت الأمة قبل هذه الحادثة، وستحتج بعدها، كلما اقتضت الضرورة ذلك؛ لأن المعركة بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم الكافرة، لا تنتهي، وهي من سنن التدافع الباقية إلى أن تقوم الساعة.
﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾، أي أن ما يفعله الكفار اليوم وما فعلوه من قبل، سواء كانوا أمريكان، أو دنمركيين، أو نرويجيين، أو حتى عرب، من يهود ونصارى ووثنيين، هو الطبيعي والعادي، وكما قال أخونا الأستاذ محمد الهادي الحسني “غير العادي هو عندما لا يفعلون ما فعلوا!”
فالعادي والطبيعي هو أن يسيء الكافر للإسلام والمسلمين، وينتقصهم، وقد فعلوا ذلك أكثر، حين اتهموا أنبياءهم وكذبوهم وأساءوا إليهم، بل واعتدوا على الله سبحانه وتعالى فـ﴿قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾، وقالوا ﴿نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ اتهم بعضهم بعضا بالسفه… الخ.
ولكن غير الطبيعي هو أن تصبح أولى أولويات الغرب ووسائله الإعلامية هي الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، وكأني بإستراتيجية محكمة مضبوطة الوسائل والغايات قد وضعت لإشغال المسلمين عن التفكير في مصائرهم، التي يضعها الغالبون، وإبعادهم عن المساهمة الفعالة بقيمهم فيما يراد للعالم وقيمه حاضرا ومستقبلا.
وغير الطبيعي أيضا، ألا يكون رد الفعل الرسمي، إلا مبررا للإساءة، أو معتذرا للمسيء، فتبرر الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام بحرية الرأي والتعبير، ويعتذر للمتضرر عن الأحداث وفعل الشعوب المعذورة، كالذين اعتذروا للإدارة الأمريكية، لما وقع في بعض سفاراتها في العالم الإسلامي، فقدموا لها العزاء في سفيرها المقتول في بنغازي.
لاشك أن الحرق والقتل ليس هو الحل، ولكن الشعوب التي مست في دينها وقيمها ومشاعرها، ولم تجد من يسمعها ويسندها، يتفهم ردها بكل ما فيه من عفوية وعنف….، لا سيّما عندما تلمس من أنظمتها الضعيفة، اللامبالاة في مثل هذه الوقائع، والتواطؤ البيّن مع قوى الكفر والفساد، بحيث لا تحرك ساكنا في اتجاه الدفاع عن قيم الأمة، أو الاحتجاج الرسمي على الفعل المسيء للإسلام وقيمه، والرد على فاعليه.
إن الأمة في تقديري لا تطالب بالحجر على أعدائها، أو أنها تطمح إلى إلغاء ما كان طبيعيا في حياة الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم من بغض وعداوة وسوء أدب، وإنما يعزّ عليها غياب المواقف الرسمية الرادعة والضاغطة، في مثل هذه القضايا التي يقصد بها استفزاز الأمة، عبر الاستهانة برجالها وبدينها وبقيمها….
إن العالم الآن –بكل أسف- لا يؤمن بالقيم والفضائل بقدر ما تؤلمه الضربات الموجعة، التي لا تكون بالضرورة عنفا، وحرقا، وتحطيما، وإنما قد تكون موجعة سياسيا، أو اقتصاديا، أو عبر التهديد والضغط، ومن لم يصدق، فلتسول له نفسه الكلام عن “الهولوكوست”، التي لا يجرأ أحد من جبناء أوروبا وأمريكا، أن يمسها بسوء، ولو كان عبر التناول البحثي العلمي المحايد، لأن الذي يقول شيئا في الهولوكوست، فمصيره الموت مباشرة، أو الموت البطيء.