لا نُرِيدُ أَجْيَالا كخُشُبٍ مـُسَـنَّـدَةٍ..!/أ.كمال أبوسنة
من قرأ كُتُب الأولين والآخرين من أهل التربية والتعليم –ما عدا الشاذ منهم الذي لا يُحفظ ولا يُقاس عليه أمثال بن زاغو ومن ركب سفينته المخروقة- سيرى بعين اليقين التي توصله إلى حق اليقين أنهم مُجْمِعُونَ على عدم تقديم صناعة الأجساد على حساب تزكية الأرواح وتنقية النفوس، وإن جُمع بين الحالين كان ذلك أجمل وأكمل، فالمؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، وقديما قال الشاعر الحكيم:
يا صَانع الجسْـــم كَمْ تَشْقَى لَخِدمَتِـــهِ
أَتَطْلُبُ الرِّبْحَ ِمما فِيهِ خُسْراَنُ
أقَبل عَلَى النَّفْسِ واسْتَكْمِلْ فَضَاِئلَهَا
أَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بالجسْمِ إِنْسَانُ
ولله درّ أمير الشعراء أحمد شوقي-رحمه الله- حين قال:
صَلَاحُ أَمْركَ لِلأخْلَاقِ مَرجعُهُ
فَقَوِّم النَّفْسَ بالأَخْلَاقِ تَسْتقِمِ
ومالي أذهب بعيدا وأجول على حواف الجداول الصغيرة والآبار الضيقة، وأترك البحر الزاخر الممدود الذي لا ساحل له إمام المربين الذي بُعث لـيُتَمِّمَ مكارم الأخلاق، وقدوة العالمين، ورسول الله إلى الثقلين، والصادق المصدوق، والأمين المعصوم-صلى الله عليه وسلم- القائل بصوت جَهْوَرِي مسموع للسلف والخلف من أمته: «إنَّ من أَحبِّكم إليَّ، وأَقْرَبِِِكُم مِنِّي مَجْلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخْلَاقًا» رواه الترمذي.
وهل استطاع محمد-صلى الله عليه وسلم-أن يبني أعظم أمة أُخرجت للناس إلا بعد جهاد طويل قضاه في تربية النفوس وتخليتها مما أُلهمت من فجور، وتحليتها بالتقوى وجميل العوائد و الأخلاق!؟
وأُقسم بالله الذي رفع السماء بلا عمد ترونها، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، لن يفلح قوم يبنون بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، ويسعون وراء كل وسيلة ترتقي بهم إلى شاهق التطور المادي، ولكنهم يذهلون- سهوا منهم أو مكرا – عن بناء الأنفس التي بين جوانب أفرادهم صغارا و كبارا، إناثا وذكورا، و هي الأحق بالاعتناء والتخطيط لما يصلحها و يهديها إلى سبيل الرشاد والفلاح..!
ألم يأتك نبأ منظومتنا التربوية التي هيأت لتدريس الموسيقى أستاذا متخصصا، ولتدريس الرسم أستاذا متخصصا، وللتمرين الرياضي أستاذا متخصصا- وقد أصبحت الرياضة مادة يمتحن فيها إجباريا تلاميذ شهادة التعليم المتوسط وطلبة شهادة البكالوريا فتعز من تشاء و تذل من تشاء – أما لتدريس ما تبقى من قليل مادة التربية الإسلامية المظلومة فمن هبَّ و دبَّ، فهل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون!؟
أخشى ما أخشاه أن تصبح مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا مؤسسات تَبِيضُ أجيالا كالخشب المسندة، فارغة من الروح والمُـثل العليا، جانحة إلى الحياة المادية المترفة على مذهب الذين أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات، بعيدة عن الله الذي لا تذكره إلا لتسبَّه، غارقة في نوم عميق والخصوم حافين من حولها ليصيبوها في مقتل…
وأخوف ما أخافه أن ينشأ الشباب الجزائري على حين غفلة من أهله لا كما تـَمَثَّله فخر الجزائر بلا منازع الإمام محمد البشير الإبراهيمي-رحمه الله- في مقالته العصماء المشهورة «الشباب الجزائري كما أتمثله»، وإنما كما تـَمَثَّله «ديغول» و«لاكوست» و«لافيجري»… و تلك هي الطامة الكبرى .!