الجمعية وقيم العيد /التهامي مجوري
بدعوة من رئيسها، نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بمناسبة عيد الفطر المبارك، معايدة جماعية بمقرها المركزي في حسين داي، على أن يكون هذا التقليد سنة متبعة في الآتي من الأعياد القادمة بحول الله.
ورغم تردد السيد رئيس الجمعية في سن هذا التقليد، بسبب ضيق المقر وعدم صلاحيته للاستقبالات في مثل هذه المناسبة، التي من طبيعتها أن يكون فيها الحضور مكثفا، فإن الذين زاروا الجمعية استجابة للدعوة الكريمة، قد رحبوا بالفكرة واستحسنوها، وتمنوا لو أنها كانت في مقر أوسع؛ بل منهم من اقترح أن تنظم في عيد الأضحى القادم إن شاء الله في مكان آخر أوسع وأرحب، يليق بالجمعية وبالمناسبة معا.
ربما كان من نقائص هذه الدعوة، أنها لم تعمم بالقدر الكافي، حيث لم تستغل جميع وسائل الاتصال الحديثة، كرسائل الـ”أس أم أس” مثلا أو الإشهار في الجرائد السيارة، وإنما اكتفينا بنشرها في أسبوعية البصائر لسان حال الجمعية، وموقعها الإلكتروني، ومع ذلك كمبادرة لفت انتباه ودق ناقوس الخطر من الجمعية للمجتمع الجزائري المسلم، إلى قيمنا المندثرة في مثل هذه المناسبة، تعد “خرجة” هامة كما يقال، لا سيما في عصر الهاتف المحمول الذي يبشر بالقضاء على ما بقي من قيمة صلة الرحم، وما علق في الأذهان من بقايا شبكة العلاقات الإجتماعية، التي تبدأ من العلاقة بين الزوجين، ثم تتسع شيئا فشيئا إلى الأبناء والأقارب وأهل الدشرة والبلدة والمدينة والوطن.
إن “المعايدة” في بلادنا لم يبق منها إلا زيارة المقابر والأقارب المقربين جدا، أما زيارة الأقارب الأبعد والأصحاب والأصدقاء فإن “الأخ بورطابل” ، قد كفانا شرها، بحيث لم يعد يشعر الواحد منا بتأنيب ضميره، لأنه لم يزر فلان وعلان، من الخال وابن الخال والعم وابن العم وصاحب الوالد وابن الخالة….، والأصدقاء والأصحاب وزملاء العمل والدراسة..، أما زيارة العلماء والدعاة والصالحين من ذوي الفضل من الأعيان والمثقفين والسياسيين والإعلاميين.. فذلك من المسكوت عنه منذ سنين طويلة، بحيث أسسنا لقطيعة بين الشعب ونخبه وإطاراته وأعيانه، كان يمكن أن ترممها أيام العيدين لو كانت، بوصفهما لهما من القداسة ما ليس لغيرهما من الأيام وبوصفهما من الأيام التي لها خصائص شرع الله فيها الالفتقاء والتزاور والتغافر والتهاني كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه لأهل المدينة “قدمتُ عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم النحر ويوم الفطر”.
وجمعية العلماء إذ تنبه إلى هذه السنة الحميدة، وتحتضنها ليومين متباعدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، إنما تريد المساهمة في إعادة القطار إلى سكته، بإحياء هذه القيمة الاجتماعية، المتممة لقيمة صلاة العيد، التي شرع الله صلاتها في المصليات، ولترميم شبكة العلاقات الاجتماعية عبر هذه المناسبة الطيبة التي مزقتها هموم الدنيا وغفلة الناس، والتضييق على “الأخ بورطابل” الذي فرقنا شذر مذر.
تريد الجمعية بمثل هذا اللقاء العيدي المبارك، الذي نسأل الله أن يوفقنا للاستمرار فيه ما يلي:
1. أن يلتقي أبناء الجمعية ومحبوها مع بعضهم البعض فيتعارفون ويتحاورون ويتغافرون.
2. أن يلتقي أبناء الجمعية ومحبوها مع قيادتهم الوطنية، فيتعرفون على من لا يعرفون منهم، وينقلون إليهم انشغالاتهم وهمومهم العلمية والعملية، والارتقاء بهذه العلاقات الإدارية الجافة، إلى قيم الجمعية الدعوية الإصلاحية، وغاياتها السامية.
3. تعويد جميع أبناء الجزائر –لأن دعوة العيد عامة- على “التعييد” على جمعية العلماء في مقرها، تماما مثلما نزور فردا من العائلة أو صديقا في بيته لنعيد عليه، والتعييد على الجمعية يكون بالذهاب إليها إلى بيتها الذي تسكن فيه.
4. تصحيح الانحراف الحاصل في العلاقة بين الشعب ونخبه وقياداته الثقافية والدعوية، والجمع بينهم مرتين في العام على الأقل ليلتقوا في بيت جمعية العلماء، الدار الكبيرة التي تسع جميع أبناء الجزائر، وترميم ما فسد من علاقات اجتماعية في مثل هذه المناسبة
5. إعادة تقاليد زيارة أهل العلم والفضل من العلماء والأعيان في المناسبات والالتقاء بهم، فعيب على الجزائري المسلم، أن يزور المقبرة –وفق التقليد السائد-، ولا يزور عالم في بيته في العيد. صحيح أن الكثير من علمائنا ودعاتنا لا يملكون بيوتا تتسع لاستقبال ضيوفهم للأسف الشديد، ولكن لو صحت النوايا لترصدنا أماكنهم في المساجد والأسواق ومقار عملهم..
فها هي جمعية العلماء تبادر وتفتح بيتها لإعادة هذه السنة الحميدة ابتداء من هذا العيد، ليجتمع الشعب الجزائري المسلم بنخبه وقياداته العلمية والعملية.
6. إحياء مرجعية الأمة الدينية وفق مستندها الاجتماعي الشعبي، وانطلاقا من قيمنا الشرعية المنطلقة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برصيدها التاريخ، ومخزونها الديني والثقافي، قررت أن تكون التهنئة بالعيد ابتداء من هذا العيد، سنة بمقرها الوطني تكون الدعوة إليه عادة.
إن هذه السنة قد بادرت بها بعض الشعب البلدية والولائية، ندعو بهذه المناسبة إلى تعميمها مساهمة في لملمة المجتمع وجمعه على الخير.