دمعة وفاء
في مثل هذا اليوم من العام المنصرم, و على التحديد يوم 12 رمضان عام 1432هـ الموافق لـ12 أوت عام 2011 توقف القلب الذي ظل – لعقود من الزمن– ينبض بحب الله, و يدق على وقع أنات الوطن .. ذلك هو قلب شيخنا ورئيس جمعيتنا عبد الرحمان شيبان.
فقد شيعت جثمانه الطاه, جماهير غفيرة باكية الى مثواه الأخير في مقبرة “الشرفة” بمنطقة زواوة, ليستريح هناك مع الصديقين, والشهداء, والصالحين, وحسن أولئك رفيقا.
والشيخ عبد الرحمن شيبان أمازيغي عرّبه الإسلام, فشرف بذلك أصله, ونبل لذلك نسله. تعددت جوانب العظمة في شخصيته, فتوزعت –على سلم الرقي والعرفان – بين مقدمة سليمة هي ذكر الله, وخاتمة حكيمة, هي الدفاع عن دين الله. وما بين حب الله, وحماية دين الله امتدت صيغ منتهى العظمة منذ سواد الشعر, وعهد التمائم الى بياض الشعر وعهد العمائم. وكانت بداية السلم, حفظ كتاب الله, الذي فك عقدة اللسان, وثبت الإيمان في الجنان.. ثم تلا ذلك, النهل
من معين الزيتونة التونسية تلك الدوحة العلمية المباركة التي كان علمها يضيء, كان نورا.. فأيقظ هذا المعين المعرفي عقل الشيخ عبد الرحمان شيبان من سباته, لينطلق في فجاج العلم والوطنية, التي ظل رابضا فيها, يجادل عن دين الله، ويذود عن حياض الوطن الى ان وافاه أجله المحتوم.
كانت حياة الشيخ عبد الرحمان مضيئة بلآلئ الأقوال ومليئة بجلائل الأفعال, فأنت تلتقي به في كرسي التدريس والدراسة, والخطاب الإعلامي وفي السياسة، وجاءت خاتمة المطاف, لتكون جمعية العلماء وتقلده فيها الرئاسة وفي كل حلقة من تلك الحلقات نضال مرير تطبعه الحكمة والكياسة.
ليس من الإنصاف – إذن – لرجل هذه سلسلة أعمال حياته إن تخصص له مقالة فريدة مهما عظمت وان تذرف على فراقه دموع مهما صدقت ولا أن تجتمع على قبره جموع مهما كثرت.
إن الشيخ عبد الرحمان وقد أفضى إلى ربه من حقه على الأجيال الصاعدة أن تعرف فكره ومن حقه على إخوانه أن يجلّوا قدره. فقد أعطى هذا الرجل للإسلام وللجزائر كلّ ما يملك من جهد وطاقة، وبقي على الوطن الجزائري أن يفي بموجبات الوفاء واللياقة. لذالك ستسن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنّة – نأمل أن تكون حسنة – وهي أن تخصص للشيخ بمناسبة ذكراه يوما أو أياما دراسية، تكون وطنية أو مغاربية تتناول فكره، وفكر جمعية العلماء، وهي الحضن الذي نبغ فيه، بالدراسة والتحليل، فتكشف عن التسلسل الفكري الذي ربط خط جهاد الجمعية منذ عهد المعلم الإصلاحي الأول الإمام عبد الحميد إبن باديس ووصولا إلى حبّة العقد التي ودعناها منذ سنة، ليدرك الجميع أية دوحة غنّاء، هي هذه الجمعية ودرجة وفاء اللاحق للسابق في خط إسلامي أصيل، جذوره العلم العميق وثماره الوطنية الصادقة، وما بين ذلك من كل فنون الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله، والتخلق بأخلاق أحباء الله.
وفي انتظار أن نجسد اللقاء العلمي المرتقب في الأسابيع القليلة القادمة إن شاء الله، نقول لفقيدنا ما قاله إمام شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة لشيخنا الأكبر عبد الحميد بن باديس :
نم هانئا، قرير العين فإننا- إن شاء الله على العهد-.
لا تخش ضيعة ما تركت لنا سدى فالوارثون لما تركت كثير
وسلام على علمائنا يوم ولدوا، ويوم يموتون، ويوم يبعثون أحياء.
وإنها لمجرد دمعة وفاء.