مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دولية

جريمة سيناء من يحاول تخريب العلاقة بين مرسي وحماس؟

يلفّ الهجومَ الإجرامي الذي استهدف الجنود المصريين في سيناء يوم 7 أوت الجاري وخلَّف 16 قتيلاً و7 جرحى، غموضٌ كبير حول الجهة المدبرة والمنفذة للجريمة وتوقيتها وأهدافها الآنية والمستقبلية، ولماذا استهدف الجناة الجنودَ المصريين إذا كانوا يريدون ضرب الجنود الصهاينة في آخر المطاف؟ 

   أسئلة كثيرة تطرح نفسها بإلحاح بهذا الصدد، لاسيما وأن الكيان الصهيوني اعترف أكثر من مرة بأنه حذر السياح اليهود في سيناء المصرية بأن هجوما وشيكا سيقع في المنطقة في غضون أيام قليلة وطالبهم بمغادرتها في أسرع وقت ممكن، كما حذر حرس حدوده وطالبهم بأقصى درجات التأهب واليقظة، وتؤكد الأنباء أن الصهاينة كانوا يعلمون بأمر الهجوم يوم 5 أوت أي قبل وقوعه بـ48 ساعة فقط، الأمر الذي يبعث على الريبة والشكوك؛ إذ كيف علم الصهاينة بأمر هذا الهجوم؟ ومن أخبرهم بذلك؟ ولماذا لم يسارعوا إلى إعلام المصريين ما داموا مرتبطين معهم بمعاهدة كامب ديفيد وملزمين بالتنسيق الأمني معهم، حتى يتخذوا احتياطاتهم كاملة ويُفشلوا الهجوم ولا يُؤخذوا على حين غرة كما حدث فيما بعد؟

   ولعل الإجابات المنطقية عن هذه الأسئلة لا تخرج عن أحد أمرين: الأول أن أجهزة الاستخبارات الصهيونية علمت بأمر الهجوم الإرهابي ومكانه وتوقيته بشكل دقيق، وتركته يحدث دون إعلام الجانب المصري لاتهام الفلسطينيين فيما بعد وإفساد العلاقة بينهم وبين السلطة الجديدة في مصر بعد أن بدأت تشهدُ تحسنا كبيرا في الأسابيع الأخيرة، وإما أن الصهاينة هم الذين يقفون وراء هذه الجريمة، تدبيرا وتنفيذا، لتحقيق نفس الأهداف، وأن ما أشيع بعدها عن الإسلاميين الستة الذين قتلهم الصهاينة وهم يحاولون التوغل داخل فلسطين المحتلة لتنفيذ تفجير ضخم بنصف طن من المتفجرات، ليس سوى سيناريو إسرائيلي محبوك قد تكشف الأيام القادمة بعض أسراره الحقيقية، وبخاصة ما تعلق بالتاريخ الحقيقي لتصفيتهم.

   وقد خدمت جريمة سيناء الكيان الصهيوني بشكل كبير، وبدرجة اقل فلول نظام مبارك؛  فقد أوغرت صدور المصريين على الفلسطينيين في غزة، وأحرجت حماس وباقي فصائل المقاومة،  وكان من نتائجها السريعة قرارُ مصر بإغلاق معبر رفح “إلى إشعار آخر” وهو الرئة العربية الوحيدة التي يتنفس منها فلسطينيو غزة، وقد ساهمت إعادة فتحه في الأسابيع الأخيرة في فك الحصار الصهيوني عن الفلسطينيين من خلال تزويدهم يومياً بحاجياتهم من الغذاء والدواء والوقود، كما أضحت آلاف الأنفاق مهددة بالتدمير من الجانب المصري كما كان يحدث في عهد مبارك بحجة الحؤول دون تسلل المسلحين منها بعد أن شاع أن هجوم سيناء حدث بعد أن تسرب المهاجمون الستة من الأنفاق، ما يعني أن الأسلحة الإيرانية ستنقطع عن حماس وهي بأمسِّ الحاجة إليها للدفاع عن غزة ضد أي عدون صهيوني جديد.

    وقد تعالت أصواتٌ عديدة في مصر تؤلب الرئيس مرسي والمجلس العسكري ضد حماس وفلسطينيي غزة، وتطالب بالعودة إلى سياسة الرئيس المخلوع الذي كان يشدد الحصار على غزة بذريعة مكافحة كل أشكال التهريب والجريمة التي تعدُّ “خطرا على الأمن القومي المصري”، ولا شك أن هذه الأصوات تحرج مرسي وتضعف موقفه إزاء غزة، وتكاد تنسف سياسته المتقاربة مع حماس في الأسابيع الأخيرة، وقد يجد نفسه مضطرا لتشديد الخناق على القطاع وإبقاء معبر رفح مغلقاً لمدة طويلة وكذا العودة إلى سياسة تدمير الأنفاق حتى لا يتهمه خصومُه بالتقاعس عن حماية أمن مصر وإرخاء قبضته الأمنية والتساهل مع المتطرفين الذين يتسللون من الأنفاق إلى سيناء لقتل الجنود المصريين، وقد سمعنا بعض العلمانيين المصريين يقولون إن هذه العملية الإجرامية ما كان يمكن أن تتم في العهد السابق، ولكن وجود رئيس إسلامي أطمع المتطرفين بإمكانية تنفيذ جريمتهم والإفلات من العقاب، كما حاول بعضُهم الوقيعة مجددا بين مرسي والمجلس العسكري من خلال دعوة هذا الأخير إلى التدخل بحزم ومسك زمام الأمور بقبضة من حديد، ما يعني دعوته ضمنياً إلى الانقلاب على الإخوان بذريعة التقاعس عن حماية أمن مصر، وهي الدعوة التي قد تجد هوى في نفوس بعض أعضاء المجلس العسكري الذين لم يرضوا يوماً بصعود رئيس إخواني إلى الحكم.

   ولا شك أن السياسة التي انتهجها مرسي في الأسابيع الأخيرة باتجاه فلسطينيي غزة من حيث استقبال مشعل وهنية وإلغاء الإجراءات الأمنية بحق الفلسطينيين الذين يدخلون مصر ورفع المضايقات عنهم، وكذا فتح معبر رفح يوميا لمدة 12 ساعة وإدخال كافة أشكال المساعدة إلى غزة، قد أقلقت خصومه من فلول النظام والصهاينة على السواء، فهذه السياسة تعني عملياً  إنهاء الحصار الصهيوني لغزة وإفراغه من محتواه، وتقوية صفوف حماس والمقاومة سواء على صعيد مواجهة الكيان الصهيوني والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية دون الاضطرار إلى تقديم أية تنازلات، أو على صعيد شروط تحقيق المصالحة مع السلطة الفلسطينية فهي ستتم كما تريد حماس، وأيضاً دون تقديم أدنى تنازل كما كانت تشتهي السلطة ونظام الرئيس المصري المخلوع.

   باختصار، لقد ألحقت جريمة سيناء، ومهما كانت هوية الفاعل وأهدافُه، ضررا كبيرا بالعلاقات بين السلطة الجديدة في مصر وحركة حماس التي تدير قطاع غزة، وقدمت خدمة جليلة للكيان الصهيوني، ولكن يبقى الأملُ قائماً في محاصرة تداعيات هذه الجريمة بالحكمة والروية والتبصر والانتباه إلى مؤامرات الأعداء، حتى يفوِّت الطرفان في مصر وغزة هذه الفرصة الثمينة على العدو، ويتجاوزا بسرعة آثارها المخرِّبة ويستعيدا مجدداً أجواء الثقة والتعاون.

أ. حسين لقرع

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى