في ذكرى رحيل حارس القيم الإسلامية في الجزائر /أ.قدور قرناش
بحلول 12 أوت 2012 أستحضر بألم رنين هاتفي على الساعة السادسة صباحًا في نفس هذا التاريخ من العام الماضي، والذي أنبأني محدّثي برحيل فارس المنابر ونجم الملتقيات وقائد الكتيبة الأولى للإصلاح فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان –رحمه الله- وما تمالكت نفسي فأجهشت بالبكاء، وبعد استرجاع توازني استغفرت الله – عز وجل- وجهزت نفسي بعد شروق الشمس وانبلاج النهار لأقوم بالواجب الذي به في رأيي إكراما للشيخ وخدمة للأمة بتحسيسها بالفجوة الكبيرة التي يتركها العالم بفقده.
إذ توجهت للإذاعة المحلية وأعلنت على إثرها على نبأ الوفاة ومراسيم الدفن، ثم شرعت في الإتصال بالأئمة لتخصيص جزء من درس الجمعة للترحم على الفقيد وتعداد مناقبه وما حزّ في نفسي هو أنني لا أستطيع حضور الجنازة يومها كوني كنت مكلفًا بإقامة الجمعة في أحد مساجد الولاية، واغتنمت الفرصة لأخصص درس وخطبة الجمعة لما يشبه تأبين الفقيد وهو العمل نفسه الذي قمت به ليلا في مسجد آخر من المساجد التي كنت ألقي فيها الدرس اليومي قبل صلاة التراويح.
لأتصل في اليوم الموالي بإخواني أعضاء شعبة الجمعية بالشلف للاتفاق على موعد تنظيم تأبينية للشيخ بولاية الشلف. وأجمع الإخوة رأيهم على تنظيمها يوم 10 سبتمبر 2011 بقاعة سينما الجمال، وهي التأبينية التي قال عنها فقيه الغرب الجزائري نائب رئيس الجمعية الشيخ بن يونس آيت سالم إنها تأبينية وطنية وليست محلية كونها جمعت كل مراحل حياة الشيخ، ولكل مرحلة كان الذي يتحدث عنها ممن عايشها.
لقد استحضرت هذه الذكرى وأنا على صغر سني أمام الشيخ – رحمه الله – أدرك قيمة ومكانة الرجل إما من خلال بعض اللقاءات التي جمعتنا به في مكتبه بمقر جمعية العلماء بالعاصمة أو من خلال الإصغاء لكلامه في الملتقيات وعلى المنابر، أو مما قرأناه له خاصة السانحة الأسبوعية التي يكتبها أسبوعيا في البصائر والتي يعبر فيها عن مواقف ثبت عنها إلى آخر يوم من حياته – رحمه الله- والتي أشكر جزيل الشكر الأستاذ نوار جدواني الذي جمعها للقراء وغيرها مما كتب الشيخ في كتب نرجو تعميمها على الجيل الذي ربما لا يعرف شيبان حق المعرفة.
وأمام هذه الذكرى الأولى لرحيل شيخنا عبد الرحمن – رحمه الله – أورد للقراء بعض الشهادات والوقائع التي سمعتها أو عشتها شخصيا مع الشيخ شيبان – رحمه الله-.
1. زرناه يوما في وفدٍ من ولاية الشلف بمكتبه بالعاصمة لأمر يتعلق بشعبة الجمعية بالشلف، وتزامنت زيارتنا له مع زيارة السفير الأمريكي للجمعية، وما قام به الشيخ يومها رسالة لكل الدعاة والعاملين في الحقل الإصلاحي، إذ كان السفير في المكتب، ونحن والشيخ في قاعة الاجتماعات بالمقر، وقد أمر رحمه الله إخواني في الوفد بأن يفّوضوا – هذا العبد الضعيف- للكلام باسمهم ثم مازحني – رحمه الله – “هذا رَفَّادْ الكلمة، فأوصيكم به خيرًا” وبعدها استأذن منا الشيخ لملاقاة السفير، وما لبث أن عاد إلينا وأكمل معنا الجلسة إلى أن ودّعنا، وأذكر يومها أنه حدّثني عن فقيه بمنطقتنا أذهل الأزهريين في أحد ملتقيات الفكر الإسلامي، وهو الشيخ المرايم النداتي من منطقة زدّين بولاية عين الدفلى.
2. عقدنا سنة 2008 بولاية الشلف ملتقى حول أحد رفاقه في الإصلاح وهو الشيخ الجيلالي الفارسي (الشلفي) – رحمه الله- وقد ألح عليه الإخوة بأن يشاركنا الملتقى، ولكنه أعتذر بسبب حفل زفاف في العائلة، وقبل أن نصل إلى ولاية الشلف، يرّن الهاتف يعلمنا الأستاذ زبير طوالبي مسؤول التنظيم بالجمعية بأن الشيخ قد عدل عن رأيه، وقرر المشاركة إكرامًا لأعضاء الجمعية بالشلف ووفاءً لأخيه الشيخ الفارسي – رحمه الله-.
3. زارنا بولاية الشلف خليفة مالك بن بني – رحمه الله – الأستاذ المفكر الدكتور عمار جيدل ضمن نشاط علمي في مناسبة يوم العلم والذي جزاه الله خيرًا لا يرد لنا طلبًا وكان ذلك سنة 2009، وأذكر يومها أنني كنت وإياه والدكتور مولود عويمر المكلف بالبحث العلمي والتراث في الجمعية متجهين لتسجيل حصة لإذاعة الشلف، وكان قد آلمني أحد الذين لا يعرفون قيمة الرجال من المتعالمين الذين بتصرفاتهم أوقعوا الصحوة الإسلامية في الجزائر فيما وقعت فيه إذ تطاول على الشيخ شيبان – رحمه الله- وقد حدثت الدكتور جيدل في الطريق عن هذا الذي آلمني، فكان جوابه موافقا للمكانة التي صنعها الدكتور جيدل لنفسه بعلمه وتواضعه، ومعبرًا عن رجل يعرف قدر الرجال فقال لي بالحرف الواحد: “يا أخي إن شيبان قد أدى ما عليه فلننظر نحن ماذا قدمنا” هذا جواب وشهادة يقدمها في حق هذا الطود الذي يبقى شامخا في الحياة وبعد المماة.
4. يوم وفاته – رحمه الله – آلمني كثيرًا رحيله فحرّك الشعور قلمي لكتابة مرثية بعنوان: “أحياها ثم مات فكونوا له ولها أوفياء” وأنا أقصد بذلك جمعية العلماء، ولم أكن أعلم أن المرثية تنال ذلك الصدى، إذ أرسلتها إلى البصائر ونشرتها يوم 14 أوت وفي نفس الأسبوع وجدت أن جريدة الحوار قد أعادت نشرها، ثم فاجأني مندوب الطلبة في تأبينية الشيخ يوم 10 سبتمبر 2011 بالشلف بقوله، نحن الطلبة أردنا أن تكون كلمتنا في التأبينية هي المرثية نفسها التي نشرتها البصائر، وقد تقدم مني يومها الدكتور عبد الرزاق قسوم، وشكرني على هذه المرثية وهنا أقول لإخواني القراء: “ما صدر من القلب سيصل إلى القلب”.
5. ومن الشهادات التي أسوقها للقراء ونحن نستحضر الذكرى الأولى لرحيل شيخنا – رحمه الله- تلك الشهادة التي قالها فيه الأستاذ محمد الهادي الحسني، إذ قال :”إن شيبان مثل إبراهيم – عليه السلام – دخل النار ولم يحترق”، وهو تعبير يدل على حكمة وحنكة الشيخ عبد الرحمن – رحمه الله- إذ أنّه رغم تقلدّه المناصب لم يتغير في مبادئه شيئًا.
6. ومن الأعمال الجليلة التي قدّمها شيبان إضافة لإحياء جمعية العلماء وجريدتها البصائر، ما حدثني به الإخوة في تلمسان عن دار الحديث، إذ أوحى شيطان الإنس للقائمة على الثقافة ببلادنا في ثمانينيات القرن الماضي بأن يحوّلوا دار الحديث إلى دار ثقافة ولطمس هذا التاريخ الإصلاحي قرروا أيضا تغيير اسم نهج دار الحديث بتسمية أخرى، وهنا أوفد الإخوة من تلمسان وفدا للشيخ عبد الرحمن شيبان يشكونه ما عزم عليه القوم فربط عليه رحمة الله – الليل بالنهار حتى استرد الحق لأهله وعادت دار الحديث لسابق عهدها بل وأعيد تسمية نهجها بنهج دار الحديث.
7. وأريد أن أختم مقالتي هذه بما أورده الأستاذ التهامي مجوري أمين المال بالجمعية في كلمته التي ألقاها يوم 10 سبتمبر 2011 في تأبينية الشيخ التي اختار لها الإخوة في الشلف شعارًا: “نم هادئا يا شيخنا سنحافظ على جمعية العلماء”. إذ جاءت كلمته، والتي نشرها أيضا في البصائر بعنوان: “الجمعية بعد شيبان” وملخّص هذه الكلمة هو أنّ شيبان قد أفضى إلى ربه، وقد قدّم الذي قدّم، فالواجب بعده هو الحفاظ على هذا الإنجاز، والمتمثل في إعادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للنشاط، وجريدة البصائر للأكشاك، وهي الأمانة التي نتحملها جميعًا سواء كنا أبناء الجمعية المنتظمين فيها بالبطاقات أو المنتمين إليها فكرا وروحًا.
وصيحتي أكرّرها مجدّدا، وقد كنت قلتها لأحد أبناء الشيخ، وهي السعي لجمع تراث الشيخ في حياته، وما صاحب وفاته من شهادات قيلت في جميع التأبينيات التي أقيمت بعد وفاته.
اللهم أنزل على شيخنا عبد الرحمن شآبيب الرحمة والرضوان.
* عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء / نائب رئيس شعبة الشلف.