تحية من تونس
و أطلت علينا تونس من ليالي رمضان . فإذا أضواؤها زاهرة و جماهيرها ساهرة و مساجدها عامرة و أسواقها باهرة فبهت الإعلام الذي صورها في صورة مغايرة.
إن الحياة في تونس أكثر من عادية . بل هي مزدهرة تؤنس ولا توحش. فالأمن فيها دائر و السائح لها زائر. وجوه أهلها ضاحكة مستبشرة و السنة علمائها و مثقفيها و إعلامييها حرة التعبير مجلجلة ظاهرة. و ألبسة شبابها و شاباتها زاهية أنيقة فاخرة.
أتينا تونس نضرب إليها محركات السيارات و قلوبنا واجفة مما رسمه لنا عنها الإعلام المتحيز . فإذا السائر في تونس لا يخاف إلا الله و ” الذئب ” على ماله. ألا تبا للمفترين.
إن تونس اليوم و هي تتحدث عن نفسها بالأقوال و الأفعال و تبني مجدها بالعلم و الأعمال يسكنها هاجس أسمى هو الحراك السياسي حول كيفية صياغة الدستور و نقاش اقتصادي بخصوص تامين الحد الأدنى للأجور و جدل اجتماعي حاد مفاده تعويض المناضلين ممن ابلوا بلاء عظيما في مقاومة الظلم و الاستبداد طيلة عقود من السنين و الشهور. فالمنصفون يرون في هذا التعويض اقل ما يمكن أن يقدم للذين ضحوا بالنفس و النفيس في محنة الابتلاء. و أوذوا في أجسادهم و أكبادهم و أمجادهم. ولا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله . وليس هذا بدعا في تاريخ الإنسان و الإنسانية . ففي الإسلام فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما… و قال تعالى في محكم تنزيله ” لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح و قاتل . أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا”
وفي كل الدول سواء المتدينة منها أو غير المتدينة يوجد نظام التعويض لقدماء المحاربين أو المجاهدين . كما هو الحال عندنا في الجزائر أو في اقرب البلدان الغربية إلينا فرنسا. فما ضاق احد بذلك ولا تبرم . أما المناوءون لمبدأ التعويض في تونس حجتهم أن النضال واجب وطني. ولا يعوض احد عن أداء الواجب . و هي حجة لا يشفع لها أي دليل تاريخي أو واقعي . ففي الثمانينيات عندما انعقد مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية . و كان ذلك في أعقاب حصار بيروت . خطب الشهيد أبو إياد فقال ” خاطبت الفلسطينيين فقلت لهم لا تهنوا و لا تحزنوا فكل شيء سيعوض إن شاء الله … فقاطعته سيدة فلسطينية بقولها و كيف ستعوض المرأة التي ابتليت في شرفها … فوجم أبو إياد و لم ينبس ببنت شفة.
فان يتنازل المناضل عن حقه في التعويض . إذا لم يكن في حاجة إليه فذلك من حقه ولكن كيف لمن ترك في السجن صحة بدنه. و سلامة عقله وعفة شرفه .
وان يكون النقاش حول و واقعية التعويض و النسبة المخصصة لذلك. فذلك أيضا أمر قابل للنقاش … أما أن يتجرا على حق المناضلين من كانوا بالأمس في الجانب الأخر يؤلبون بالقول و الفعل الظالمين على المظلومين. فاقل ما يجب عليهم _ اليوم _ السكوت و إلزام البيوت. و اقل ما يفعله المناضلون في حقهم أن يتأدبوا معهم بأدب الإسلام فيقولون لهم غفر الله لكم. اذهبوا فانتم الطلقاء و لا تثريب عليكم.