بدر من أيّام الله /د.عبدالحفيظ بورديم

بدر يوم من أيام الله، والبدريون هم رجال الله، وعثمان بدريّ يداوي بنت رسول الله(صلى الله عليه وسلم).

ما كان بدر معركة بين المعارك، تحصى فيها المغانم والمهالك. ولكنّه أولى الغزوات وبداية الانتصارات. لبس فيها النبي الخاتم لامته، وضرب في الميدان خيمته. وزّع أصحابه صفّا صفّا، وثبّتتهم الملائكة ألفا ألفا. هنالك غلب المؤمن الواحد مائة من الأشدّاء، وهنالك جندلت الفئة القليلة الجحفل من المشركين الألدّاء.

ويحهم المستشرقون يكذبون في كلّ حفل ويرجفون بالقول: نبيّ في كفّه السّيف؟ كأنّهم يريدونه نبيّا يخضعه الحيف؟ أما علموا أنّ العزّة للّه والرّسول، وأنّ الحقّ لا يتضعضع بالزّيف والتضليل، وأنّ الرجل القويّ خير من الجبان الذّليل.

لو أنصفوا لقالوا طاشت من شيوخ مكّة العقول، هم أخرجوا محمدا (صلى الله عليه وسلم) وهو الأمين، وقطعوا الأرحام وهي حبل متين. صادروا أموال الضعفاء، وهدموا بيوت الفقراء، ثمّ خرجوا كفرانا وبطرا، يبتغونها حربا وسقرا. جمعوا ألفا من الأعراب أو يزيدون، وتنادوا بالأنصاب وهم مغرورون. ظنّوا أباجهل ناصرهم، وما علموا أنّه خاذلهم. وظنّوا الوليد قائدا منتصرا، فألفوه صريعا منكسرا.

وفي بدر آيات من الكتاب المجيد، لمن ألقى السمع وهو شهيد:

النبيّ (صلى الله عليه وسلم) جمال للمؤمنين يستحيي من كبيرهم ويتحبّب لضعيفهم ويهشّ لغريبهم، يسبقهم إلى الخيرات ويِؤمّهم في الصلوات. وهو (صلى الله عليه وسلم) جلال يرهب الظالمين ويرعب المتغطرسين.

والإسلام حقّ بغى عليه العادون واستضعفه المعاندون. ثلاثة عشر عاما والنبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو  في صبر فريد، وأصحابه يعذّبون في البطحاء بالنار والحديد. وفي بدر استعلى الحقّ برجاله، ودفع المستكبرين بأبطاله.

وبدر كانت بداية الانتصارات وفاتحة الحضارات. صارت بها الفئة القليلة أمّة مديدة، ودانت لها البلاد القريبة والبعيدة. فيا أهل بدر  طوبى لكم قد غفر الله لكم، أنتم السابقون رغم العسرة، وأنتم المقرّبون بالنصرة.

واليوم يولد كثير من الناس مسلمين، فيحيون عالة على الإسلام مشوّهين. لا يقيمون في أنفسهم شعائره، ولا يحفظون في اجتماعهم سرائره. تراهم في الأرض كادحين تزورّ عنهم الرّيادة فلا يبالون، وتنزل بساحاتهم الأوبئة فلا يعقلون. يبتغون من الحياة مالا وشعيرا، وربّما باعوا الآيات ربا وتغريرا. يظنّون الاستخلاف بالتسلّي، كأنهم ما علموا أنّ الإيمان بالتحلي والتجلّي. جهلوا سنن التمكين، فرماهم الزمان بالآفات والسّنين. ولا يظلم ربّك أحدا، ولو تسمّى محمدا أو أحمدا.

فهلاّ نحيي في النفوس بدرا ونعتلي بها قدرا. ولو خالط الإيمان بشاشة القلوب، لمحا عن الجوارح كلّ العيوب.

Exit mobile version