أين مقومات الأمة.. في شهر الأمة؟

أهلّ على جزائرنا الحبيبة، وعلى أمتنا العربية الإسلامية قاطبة، هلال شهر رمضان، هذا الشهر، الذي وصفه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، بأنه شهر أمتي.. وإن انتماء هذا الشهر، بالذات للأمة، ليحمل أكثر من دلالة.

فهو أي رمضان، يمثل المدرسة الحضارية، المتعددة  الاختصاصات في إعداد الإنسان المسلم لإثبات وجوده الإنساني الأسمى ضمن الدائرة الإسلامية الشمولية، التي ترقى بالإنسان من الحيوانية المتوحشة، والبهيمية الساذجة، إلى الإنسان الواعي بكينونته، المؤمن بإنسانيته، المتجذر ضمن مبادئ عقيدته.

ففي رمضان، نتلقى العلاج الشمولي لما نعانيه –كليا وجزئيا- من أمراض وآفات، على اختلاف أنواعها، فبالصوم  يعالج آفة السمع المنحرفة التي  تسخر هذه الطاقة الحيوية لالتقاط اللغو، والتنصت لتسمع عيوب الناس، أو التجسس على خصوصياتهم، وقناعاتهم لينتج عن ذلك كله حكم خاطئ، وعواقب مشؤومة في علاقات الإنسان بأخيه ومجتمعه.

كما تعمد مصحة الصوم الربانية إلى معالجة آفة خطيرة أخرى، وهي آفة اللسان، عندما يتحول هذا اللسان من رابط للإنسان بذكر  الله، وتلاوة أحكامه، التي  تفيض بالقول الحسن، وترطيب اللسان بلغة الحب، والتسامح، واللين، إلى الجهر بالسوء من القول، وكل أنواع العنف المادي والمعنوي، التي قد تؤدي إلى الصدام والخصام، وإن الحرب أولها كلام.

وما يقال عن السمع والقول، في مصحة شهر الأمة رمضان، ينطبق على العين، وعلى البطن، وعلى القلب، حيث يعمل الصوم عل تطهيرها من كل أنواع الدنس، فيعدها إعدادا ربانيا لتلقي التعاليم، وإصدار الأحكام النقية الصافية الصالحة لربط العلاقات الإنسانية في أسمى معانيها، وفي أنبل  مقاصدها..

إن عناية الصوم بالجوارح في الإنسان المسلم، وهي وسائل اكتساب المعرفة، إنما تأتي إعدادا للإنسان المسلم لأن يكون، العنصر النافع للمجتمع، والعامل الفعال في بناء الأمة على مقوماتها الحضارية الصحيحة.

إن العناية بالإنسان، في العقيدة الإسلامية، بتطهير قلبه من الحقد والشح، وصيانة سمعه عن سماع الكذب، والنأي بلسانه عن اللغو، والفاحش من القول، إنما  هو رافد من روافد تحصين الأمة بمقوماتها، لتملك القابلية للنماء، وتحريرها من مبطلات ونواقض التخلف.

في ضوء هذه الخصائص كلها، نحب أن نلتفت إلى واقع أمتنا في الجزائر في ظلال شهر الأمة الذي هو الصوم. إن من نافل القول أن شياطين الجن تصفد في هذا الشهر، كما ذكر ذلك الصادق المصدوق محمد عليه الصلاة والسلام، غير أن بعض شياطين، الإنس، يبدو أنها قد تفلت من هذا القيد، فتطلق العنان لغرائزها، وأهوائها، يقودها  الجشع، والطمع، فيسول لها التحكم في غذاء الجماهير، والعدوانية على ثوابت الصغير والكبير، والتحلل من كل خلق ومن كل ضمير.

إن من أبسط قواعد العناية بشهر  الصوم، أن توفر فيه، للصائم وغير الصائم، ضروريات الإنسان، من ماء، وغذاء، ودواء، وكهرباء، وهذا مقوم أساسي من مقومات الأمة.

كما أن من مقومات الأمة في شهر الأمة، مقاومة الجشع، والاحتكار،والتحكم في السلع، بتخفيض الأسعار بالدعم، أو بقمع النفوس الشريرة، لتصبح الأسعار في متناول المستضعفين وهم الأغلبية الساحقة من الأمة.

وما دام الإنسان المسلم بالذات لا يعيش بالخبز وحده، فإن من أوجب الواجبات، في صيانة مقومات الأمة –عندنا- العناية باللسان، والجنان، والمكان، بتطهير ذلك من التلوث الخلقي، والعدوان الثقافي، بمحاربة تفشي القمع اللغوي، وإزالة اللافتات والشعارات التي تصدم معتقد الأمة، في لغة الآباء والأمهات، وعلى واجهات المؤسسات والمحلات.

يجب أن يدرك الجميع، حكاما ومحكومين أن التوبة في شهر الأمة، تبدأ بإنقاذ مقومات الأمة، كي يكون صومنا إيمانا واحتسابا، ولن نضطر بعد ذلك إلى التساؤل: أين مقومات الأمة في شهر الأمة؟

Exit mobile version