الخامس من جويلية ذكرى النصر أنت أم ذكرى الهزيمة؟/الأستاذ شنوف الجيلاني
تحي الجزائر هذه الأيام الذكرى الخمسينية لاندحار جيوش الاستدمار عن هذه الأرض الزكية ولكن علينا ألا ننسى أن قبل ذلك اليوم بقرن وثلث القرن كان الاحتلال وبين ذكرى كل من الهزيمة والانتصار لا بد من وقفة تأمل واعتبار نحلل فيها مقومات النصر وأسباب الانكسار، وقفة تقييم و تقدير ومراجعة المسيرة وتصويب المسار ننظر في الذي أنجزناه وما كان بإمكاننا إنجازه ولماذا لم ننجزه ؟ وهل هو نتيجة قصور أم تقصير ؟
خمسون سنة مضت إذن على يوم استرداد السيادة الوطنية ,وقبله قد مضى قرن وثلث القرن على يوم اغتصاب هذه السيادة، شاءت الأقدار أن يكون يوم الاسترجاع هو نفسه يوم الضياع فالأول في 5 جويلية 1962 والثاني في نفس اليوم و الشهر من سنة 1830.
ففي تزامن يوم الضياع ويوم الاسترجاع عبرة لأولئك الذين يرغبون دائما في تبرئة أنفسهم من الأخطاء ويبحثون دوما على شمّاعة يعلقون عليها سقطاتهم حتى أنه صار التفاؤل أو التشاؤم من يوم معين أو تاريخ معين أمرا طبيعيا نظرا لما وقع فيه من أحداث صارة أو ضارة. و الحقيقة أن الأيام والشهور والسنين ما هي إلا أوعية زمنية نحصد فيها ما زرعنا إن خيرا فخير وإن شرا فشر.لذلك تجد النحاة من أسلافنا ـ والنحو قنّن و دوّن في العصور الذهبية ـ يسمون هذه الأوعية الزمنية “ظرف زمان مفعول فيه” ويجعلونه منصوبا أو في محل نصب ولا يرفعون إلا الفاعل لأنه هو المؤثر بل حتى المفعول به إذا كان في جملة مبنية للمجهول يرفعونه باعتباره نائب فاعل احترما لمن ينوب.فالأيام إذن والشهور والسنون هي عبارة عن مساحات زمنية أو قل صفحات في سجل الحياة نكتب فيها ما نشاء وبالتالي فالمسؤولية تقع على من يكتب لا على من يكتب فيه..لذلك قال الشاعر قديما:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا ولو نطق الزمان بنا هجانا
فالإنسان إذن هو صانع النصر والهزيمة بتوفير أسباب وشروط هذا أو ذاك وليس لليوم و لا الشهر و لا السنة من مسؤولية في ذلك، قال تعالى ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)). .سورة النور الأية55 .
فهزيمة 5جويلية 1830 كانت نتيجة لسوء التصرف في نعمة أمدنا الله بها والمتمثلة في فائض القمح الذي أقرضناه لمن لا إلّا لهم ولا ذمة لا يقرون بخير و لا يعترفون بجميل ،أعماهم جشعهم و أنانيتهم عن كل القيم الإنسانية : أعجبهم قمحنا فطمعوا في أرضنا وما فوق هذه الأرض من شجر وبشر.وهم اليوم طامعون في نفطنا ! ومن حقنا اليوم أن نحذّر من الوقوع في نفس المصير لأننا مازلنا نسيء التدبير والتقدير. فالاعتماد على النفط كمصدر اقتصادي وحيد وعدم التفكير في تصنيع مشتقاته يزيد من تبعيتنا للدول الصناعية التي تتحكم في اقتصاديتنا وذلك كلما زادت أسعار الخام تزيد أثمان مشتقاته التي لا نستطيع الاستغناء عنها فتفرض لها أسعارا تستعيد بها الفائدة ورأس المال .كما ينبغي استخدام ريع البترول في إنشاء استثمارات متنوعة في الزراعة والصناعات بعيدة عن حماقات السبعينات من القرن الماضي التي توهمنا من خلالها أن الصناعة هي شراء قطع الغيار وتركيبها .ولكن نريد استثمارات حقيقية تحررنا من كل تبعية اقتصادية و تنحوا بنا نحو الاكتفاء الذاتي.
هزيمة 1830 كان من أسبابها أيضا الفرقة والتشرذم التي كانت عليها الأمة لذلك انفرد الاحتلال بهم منطقة بعد أخرى تظن اللاحقة دوما أن الأمر لا يعنيها حتى يحل بها مصيرها المحتوم .
بينما كان نصر 5جويلية 1962 نتيجة توحد أغلب التيارات السياسية والفكرية في بوتقة واحدة غايتها التحرر من الظلم والصغار و بناء دولة اجتماعية ديمقراطية وفق المبادئ الإسلامية كما نص على ذلك بيان الفاتح من نوفمبر 1954 .
فما أحوج الأمة اليوم وهي تائهة في وحل الفرقة والتمزق تنبش في أدغال التاريخ عن أسباب العداوة والتشتت فالإسلاميون فرق و طواثف والوطنيون كذلك تكاد ألا تجد بينهم عنصرا جامعا كل يدعي الحرص على إنقاذ الأمة ظانا أنه يملك الحقيقة المطلقة ، مخوّنا كل من خالفه في أي جزئية من الجزئيات ويا ليتنا نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حلف الفضول فقال لو دعيت لمثله لأجبت.
هزيمة 1830 كانت أيضا نتيجة الهوة الموجودة بين الأمة وحكامها الذين لا يصغون لآلامها ولا يشعرون بحالها لذلك تركهم الشعب لمصيرهم ولم يحميهم ولم يقف معهم كان ذلك شأن داي العاصمة الذي كان قنصل فرنسا يدرك أنه لا يستطيع التحكم إلا في المروحة التي لطمه بها لذلك أشار على قيادته بأن اهجمي! و لما هجمت سقط في أيام معدودات كما وقع لداي وهران وبعد سقوطهما انطلقت المقاومة الشعبية بخلاف باي كل من قسنطينة و التيتري اللذان احتضنهما الشعب وقاوم معهما إلى آخر رمق ولقد رأينا التجربة تعيد نفسها في العراق حديثا.ذلك لأن الشعوب تحترم من لا يستخفها.
فالزمان هو الزمان إذا لم توفر أيها الإنسان أسباب الانتصار توفرت أسباب الهزيمة و الانكسار و إذا لم تتقدم تأخرت.