المرحلة الثالثة للإسلاموفوبيا وماذا بعد؟ بقلم علد الحميد عبدوس
دعا الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدول الأعضاء في المنظمة إلى ضرورة التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا.
واعتبر الدكتور أوغلو أن ظاهرة العداء للإسلام دخلت المرحلة الثالثة وأصبحت تستخدم في الحملات الانتخابية في أوروبا، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى بدأت مع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لمقام النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم أعقبتها مرحلة ثانية تمثلت في تضييق الخناق على المجتمعات الإسلامية، وشن هجمة إعلامية استهدفت تشويه الدين الإسلامي الحنيف ورموزه.
والواقع أن القيادات الدينية والثقافية والسياسية الغربية ساهمت كلها في تصعيد ظاهرة الإسلاموفوبيا، حتى أصبحت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي تتمتع بنفوذ سياسي وانتشار شعبي كان يصعب تصور حدوثه قبل عقد من الزمن، والملاحظ أن جل تلك الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة انتقلت من العداء للسامية وكراهية اليهود إلى العداء للإسلام والتحريض على كراهية المهاجرين من ذوي الأصول العربية والإسلامية، وفي هذا السياق قفزت النتيجة الانتخابية لحزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الماضية إلى ما يقارب 18% من أصوات الناخبين، وكانت الانتخابات المحلية التي جرت في السنة المنصرمة قد وضعتها في مرتبة القوى السياسية الثالثة في فرنسا.
هذا الاتجاه التصاعدي لظاهرة معاداة الإسلام وانتشار نفوذ الحركات المتطرفة والعنصرية وإثارة هيستيريا التخويف من المسلمين بلغت درجة جعلت منظمة العفو الدولية تشير في تقريرها الصادر في شهر أفريل الماضي (2012) إلى تفاقم معاناة المسلمين في أوروبا من التمييز العنصري خصوصا في مجالات التعليم والتوظيف.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ذكرت رئيسة مجموعة “المدافعون عن المسلمين” وهي مساعدة سابقة في الكونغرس الأمريكي: “أن الخطابات المضادة للمسلمين وصلت في الأشهر القليلة الماضية (2011) إلى مستوى مثير للقلق، إذ انضم إليها قياديون دينيون وعسكريون وسياسيون”.
وقد شهدت سنة 2011 إقدام القس الأمريكي الإنجيلي المتطرف تيري جونز، على حرق نسخ من القرآن الكريم، كما كشفت تقارير صحفية عن قيام كلية عسكرية أمريكية بتدريس برنامج لقادة المستقبل من الجيش الأمريكي يتضمن خطة تدمير مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهما أقدس الأماكن الإسلامية، بواسطة هجوم نووي!
أما جرائم الصهاينة في فلسطين ضد حرمات المسلمين ومقدساتهم فقد أصبحت مأساة يومية شاهدة على موت الضمير الإنساني وغلبة قانون القوة على قوة القانون.
وقد أضيف إلى هذه المصائب إقدام طوائف البوذيين على الانخراط في حملات الإبادة والترويع والاضطهاد التي يتعرض لها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وهكذا تعرض المسلمون في دولة ميانمار(بورما سابقا) إلى حملة تقتيل وتشريد على يد الجماعة الدينية البوذية (الماغ) بدعم من السلطات الديكتاتورية في ميانمار حيث أدت أحداث العنف التي اندلعت في شهر جوان المنصرم (2012) إلى مقتل ما يقارب مائة مسلم وتشريد عشرات الآلاف منهم بعد اتهام جماعة من المسلمين باغتصاب امرأة بوذية، وهي التهمة التي استعملت كذريعة للهجوم على إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة وتهديم وحرق المنازل والمساجد في أجواء اتسمت بما يشبه عدم المبالاة من طرف الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان التي تعودت أن تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يتعلق الأمر بالمساس بحقوق الأقليات عبر العالم.
والأدهى أن السلطات الديكتاتورية في بورما تعتبر الأقلية المسلمة التي تمثل ما يقارب 20 % من سكان البلاد مهاجرين غير شرعيين، وتم تجريدهم من جنسيتهم في سنة 1982 رغم أن شعب الروهينغيا قد أسس مملكة دامت أكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن (1430إلى 1783م) قبل أن تتعرض إلى الاحتلال من طرف الإمبراطورية البرلمانية، وتصنف الأمم المتحدة الأقلية المسلمة من شعب الروهينغيا في مرتبة العرقيات الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم، وقبل ذلك تعرضت الأقلية المسلمة من الإيغور في الصين إلى مذبحة رهيبة على أيدي أفراد عرقية الهان التي تشكل الأغلبية البوذية في الصين وذلك في أحداث جوان 2009.
والمتأمل في أوضاع المسلمين في هذا العصر يجدهم يعيشون ما أخبر به الصادق المصدوق سيدنا محمد ،صلى الله عليه وسلم، قبل14 قرنا، في حديثه الشريف الذي رواه ثوبان، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ، فقال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت” أخرجه أبو داود في سننه.
لقد أعرض المسلمون عن أمر ربهم سبحانه وتعالى القائل في الآية 46 من سورة الأنفال (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والقائل عز وجل في الآية 103 من سورة آل عمران (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، ولذلك سلط الله عليهم الذل والمهانة حتى طمع فيهم القاصي والداني، فالصراع بين الشيعة والسنة يكاد يصبح بديلا لصراع المسلمين مع عدوهم الاستراتيجي المحتل الصهيوني، بل إن هناك من قادة الدول الإسلامية من اعتبر الخطر الإيراني مقدما على الخطر الصهيوني، وهذا ما جعل مفكر وسياسي مثل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي يحذر من أن يتحول هذا النزاع المذهبي بين أمة الإسلام إلى حرب ساخنة كتلك التي أشعلها الجاسوس البريطاني لورانس في مطلع القرن العشرين بين العرب والعثمانيين وكانت نتيجتها هي وقوع البلاد العربية تحت هيمنة الاحتلال البريطاني والفرنسي بعد اتفاقية سايس بيكو.
وآخر التصدعات في جسم الأمة هي عودة أجواء التوتر وشبح الحرب إلى العلاقات التركية والسورية، وانقسام دولة مالي مؤخرا بسبب النزاع العرقي والمذهبي، لتزداد أزمة الفقر والتخلف فيها عمقا وتأزما.
_ نشر هذا الموضوع في البصائر تحت عنوان ” الانحدار إلى درك المهانة!”