مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دولية

الثورة المصرية تقطع خطوة جديدة نحو النجاح / الأستاذ: حسين لقرع

الآن وقد تم الإعلان بصفة رسمية عن فوز مرشح الإخوان المسلمين برئاسة مصر بنسبة تناهز الـ52 بالمائة، نستطيع القول إن ثورة 25 يناير 2011 قد قطعت خطوة كبيرة نحو النجاح، وحققت الكثيرَ من أهدافها، ولكنها لم تحقق النجاحَ كله ويتعين عليها الاستمرار على نفس المنوال لتجسيد باقي الأهداف وفي مقدمتها إقامة ديمقراطية حقيقية وإعادة العسكر إلى الثكنات والعودة إلى الصف العربي والإسلامي.

   لقد تعرضت ثورة 25 يناير إلى هزات شديدة ووُضعت الكثيرُ من العراقيل أمام مسارها أملاً في إجهاضها والقضاء عليها وإعادة إنتاج النظام السابق بأية وسيلة ولو في صورة أحمد شفيق. واتضح بعد نحو عام ونصف عام على نجاح الثورة في إسقاط مبارك، أن وقوف الجيش إلى جانب الثورة، لم يكن بسبب مساندته لها، بل إنه اتخذها مطية للضغط عليه وإجباره على ترك الحكم وتسليمه له، وبالتالي إفشال مشروع التوريث الذي لم ينل رضا المؤسسة العسكرية ودعمها، ثم التفّ بعد ذلك على الثورة واستحوذ على الحكم.

   وقد حاول المجلس العسكري جاهداً، وبمساعدة الفلول، إعادة إنتاج نظام مبارك، ما يعني أنه شخّص المشكلة في مبارك وليس في تعطش المصريين إلى إنهاء الديكتاتورية التي جثمت على صدورهم لعقود طويلة، وإقامة ديمقراطية حقيقية وإحداث قطيعة مع ممارسات الفساد ونهب ثروات البلد واستئثار أقلية فاسدة بخيراتها على حساب الأغلبية الشعبية التي عانت مستويات فقر غير مسبوقة، فضلا عن وضع حد للتحالف المخزي مع أمريكا والعدو الصهيوني ضد المقاومتين الفلسطينية واللبنانية وإيران.

   ومن حسن حظ الثورة المصرية أن شبابها متيقظ إلى أقصى درجة، وسرعان ما انتبه منذ الأسابيع الأولى التي تلت إسقاط مبارك إلى أن المجلس العسكري يريد الاستحواذ على الحكم والحفاظ على نفس النظام مع إحداث تعديلات بسيطة تتعلق باستبدال بعض الوجوه، فانبرى للمكيدة وواصل ثورته وتجمعاته المليونية في ميدان التحرير وقدم تضحيات جديدة في مواجهات مع المجلس العسكري، إلى أن أرغمه على تحديد جدول زمني للانتخابات التشريعية والرئاسية وتسليم الحكم، وأجريت التشريعيات بالفعل وفاز بها الإسلاميون بنسبة 75 بالمائة، وتلتها انتخابات الرئاسة، لكن المجلس العسكري واصل مناوراته، فصدر حكم قضائي مشبوه من المحكمة الدستورية بإبطال نتائج الانتخابات التشريعية ورفض قانون العزل، وهذا عشية الجولة الثانية للرئاسيات، كما أصدر ما أسماه “البيان التكميلي للدستور” جرد فيه الرئيس الجديد من أبرز صلاحياته.

   وحبس المصريون أنفاسهم، ومعهم العرب وكل الشعوب الحرة، إثر إجراء جولة الإعادة للرئاسيات، وتوجسوا خيفة من تزويرها ومنح الفوز لأحمد شفيق وبالتالي إجهاض الثورة كلية والعودة إلى نقطة الصفر مجدداً، لكن يبدو أن المجلس العسكري قد فكر في العواقب هذه المرة، وخشي الدخول في مواجهات طاحنة مع الشعب تجعل الحالة السورية تتكرر في مصر، وتدخل البلد في نفق مظلم قد لا تخرج منه بسهولة، لاسيما وأنه يعاني الكثير اقتصاديا واجتماعيا، فآثر الإبقاء على فوز مرسي بعد أسبوع من التسويف والتماطل، وربما التفاوض مع الإخوان حول ملامح المرحلة القادمة، لاسيما وأن “البيان الدستوري المكمل” يكاد يجعله الحاكم الفعلي للبلد.

   وانطلاقاً من ذلك، فإن الرئيس الجديد بات يواجه تحديات كبيرة وجسيمة، وفي مقدمتها رغبة المجلس العسكري في البقاء لاعبا أساسيا في الساحة والحدّ من صلاحياته وبخاصة ما تعلق بقرارات السلم والحرب والعلاقات الخارجية، وهي إشارة إلى ضرورة إبقاء الرئيس الجديد لمعاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني وعلاقة التبعية لأمريكا بحجة ضمان بقاء مساعداتها الاقتصادية.

   ويضاف إلى ذلك تحدياتٌ اقتصادية واجتماعية كبيرة، فالفقر متفشي على نطاق واسع بمصر إلى درجة أن حوالي نصف الشعب يعيش تحت عتبة الفقر بأقل من دولارين يومياً، والبطالة تطحن 10 ملايين مواطن، والسياحة شبه راكدة، والاستثمارات الأجنبية شحيحة والمساعدات الأمريكية والخليجية متوقفة.. ويتعين على مرسي أن يعالج كل ذلك بما ينعش اقتصاد البلد ويعيد الأمل لملايين المصريين الذين أنهكتهم سياسات التفقير التي انتهجها النظام السابق ضدهم، وهي تحدياتٌ غير هيِّنة في ظل شح موارد مصر والحصار غير المعلن الذي ضربته حولها أمريكا والسعودية وباقي دول الخليج، وحتى التفكير في البديل الإيراني قد لا يكون مجدياً في ظل بداية معاناة إيران من أزمة اقتصادية ومالية خانقة بفعل بدء الحظر الأوربي على نفطها لتجفيف مواردها المالية في محاولة لخنق مصادر تمويل مشروعها النووي.

   ومن هنا، فإن الرئيس مرسي مطالَبٌ بانتهاج سياسة حذرة وغير صدامية مع المجلس العسكري والخارج، وابتكار حلول اقتصادية خلاقة تخفف وطأة الأزمة عن الشعب، حتى يجتاز هذه المرحلة العسيرة بسلام ويحقق قدراً من النجاح يتيح للثورة المصرية الوصول إلى آخر محطاتها على صعيد ترسيخ الديمقراطية الحقيقية بشكل نهائي واعدة الجيش إلى الثكنات وإنهاء سخافة “إعلانه الدستوري المكمل” والقضاء تماماً على الفلول التي لا تزال تتربص بالبلد لإعادة إنتاج النظام السابق مجدداً، وكذا العودة نهائيا إلى الصف العربي الإسلامي والتخندق فيه للدفاع عن قضايا الأمة.

   والأكيد أن تحقيق ذلك كله سيحتاج إلى وقت غير يسير، ولكن في جميع الأحوال، فإن انتخاب أول رئيس لمصر بشكل ديمقراطي بعد عقودٍ طويلة من الاستبداد والطغيان والفساد، يُعدّ في حد ذاته انجازاً يستحق الإشادة، ويمنح جرعة أكسجين لثورة 25 يناير التي تعرضت لزلازل شديدة وتغلبت عليها ويحق لها الآن الافتخارُ بذلك، أما منجزات المرحلة القادمة فتتطلب بعض الوقت والصبر والتخطيط والتضحيات لتحقيقها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى