إن هذه الوحدة يجب أن تكون الأغنية التي تهدهد بها الأم، مهد، ومشاعر ابنها الصغير، والأنشودة، التي تترنم بها المعلمة، لتبني بها ضمير تلميذها النظير.
لقد نشأنا، منذ نعومة أظفارنا، على الترنم بالنشيد الوحدوي الخالد:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجـد إلى يمن
إلى مصر فتطوان
فلا حـد يباعدنا
ولا ديـن يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا
بغسان وعـدنان
إن مفردات هذا النشيد وأمثاله، لهو اللحن الخالد الذي لا يزال نغمة تدندن في لا شعورنا، مذكرا إيانا بواجب الأخوة والتضامن، إزاء أشقاء يقاسموننا التاريخ الموحد، ويتوقون مثلنا إلى نفس المصير والمشترك. نتذكر كل هذا ونذكر به بمناسبة احتفالنا بالذكرى العزيزة على كل جزائري، وكل عربي، وهي انقضاء خمسين سنة على ميلادنا الجديد حضاريا، وعقديا، وسياسيا، فالثورة الجزائرية التي أفضت إلى استقلالنا، كانت قوية بذاتها، وازدادت قوة بأشقائها، فمنهم الذي عمل، والذي بذل، والذي قتل، والذي اعتقل، وكلهم كانوا روافد لنهر جهادنا الخالد.. فالمثقفون العرب، أدباء وكتابا، وإعلاميين، كلهم انخرطوا في تعبئة الرأي العام، ضد العدوان البربري الفرنسي ضد شعبنا الضعيف إلا من إيمانه بحقه في الحرية والاستقلال..
إن واجب الوفاء لمن أمدونا بالعتاد والعدة، ووقفوا إلى جانبنا في ساعة العسرة والشدة، ليملي علينا أن نوعي أجيالنا الصاعدة، بضرورة الإيمان بالوحدة العربية، مغربيا، ومشرقيا، خصوصا ونحن – ما فتئنا نرفع شعار “مغرب الشعوب”.
إن الظروف الصعبة التي تحيط بأمتنا مشرقا ومغربا، تجعلنا، نعمل على شحذ العزائم أكثر، من أجل تكوين جيلنا الصاعد والعودة به إلى الذات، وتحسيس جيلنا الرائد والسمو به إلى تحقيق أنبل المهمات. وإذا كانت مسافة الميل تبدأ بخطوة، فإن بناء الوحدة العربية، تبدأ ببناء المغرب العربي، لما يتوفر عليه من طبيعة مناخية، وسجية إنسانية، ووحدة ثقافية.
وإن من علامات الإيمان بهذه الحقيقة ما لاح هذه الأيام من تباشير أشرقت من سماء تونس الجديدة، فقد أعلن مسؤول تونسي في حكومتها، أن تدابير جديدة توشك أن تدخل حيز التنفيذ لصالح كل أبناء المغرب العربي، وهي تدابير طموحة إن قدر لها أن تتحقق، فستكون رائدة في وضع القاعدة الصلبة لبناء المغرب العربي، وأهم هذه التدابير:
1- إلغاء جواز السفر – فضلا عن التأشيرة – لأبناء المغرب العربي، والاقتصار على بطاقة التعريف، في التنقل بين تونس وباقي أجزاء المغرب العربي.
2- منح الحق لكل مواطن من مواطني الدول المغاربية، في الإقامة بتونس، وحق العمل، وحق الاستثمار، بل وحق الانتخاب في المجالس البلدية المحلية.
3- رفع كل القيود، عن الحق في الملكية، وإدخال رؤوس الأموال إلى تونس، بما في ذلك تأسيس الشركات الاقتصادية الإنتاجية، مما يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والسياحية، والثقافية بين أبناء دول المغرب العربي، انطلاقا من تونس الجديدة.
إن مثل هذه التدابير الرائدة والجريئة التي أذن بها مؤذن من سماء تونس الجديدة، ليحقق الحلم القديم المتجدد في الوحدة، بحيث يصبح الراكب من نواقشط إلى السلوم لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، أو اللص على سيارته…
فهل يتحقق هذا الحلم، وتقدم تونس درسا رائدا وعمليا، في الانتقال بموضوع وحدة مغرب الشعوب، من الشعارات إلى الانجازات، ومن النظريات إلى السلوك والمعاملات.