الثورة المصرية في منعرج حاسم / الأستاذ: حسين لقرع
لم يكد المصريون يستفيقون من صدمة صعود أحمد شفيق إلى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية المصرية بفعل فاعل، مع ما يعني ذلك من إمكانية إعادة استنساخ نظام مبارك في ثوب شفيق، حتى تبعتها صدمة أخرى من خلال الاكتفاء بالحكم على الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزيره للداخلية السفاح الحبيب العادلي بالمؤبد فقط، مع تبرئة ولديه علاء وجمال ومجموعة من ضباط الداخلية.
وتأتي هذه الأحكام المشبوهة، لتغذي مجددا كل الشكوك التي حامت حول سير محاكمة مبارك ورموز نظامه منذ أشهر عديدة، والتي اكتنفها الكثيرُ من الغموض واللبس، بداية بتبرئة عشرات الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين في الأسابيع الماضية، وإخفاء الكثير من الأدلة والشهادات، وصولاً إلى الأحكام “المخففة” بحق مبارك والعادلي اللذين أتهما بقتل أزيد من 865 متظاهراً ومع ذلك لم يُحكم عليهما بالإعدام كما كان متوقعاً، أما الأعجب من ذلك، فهو إدانة العادلي وتبرئة مساعديه في نفس الوقت، وكأن العادلي هو الذي نزل إلى ميدان التحرير بنفسه وقام بإعدام 865 متظاهراً ودون مساعدة أحد.
وتأتي تبرئة ابني مبارك أيضاً لتطرح المزيد من الشكوك حول سير المحاكمة برمتها، بالنظر إلى ضلوعهما على الأقل في مذبحة “موقعة الجمل” وثبوت دورهما في تحريض “البلطجية” وتمويلهم رفقة رجل العمال أحمد العزّ، فكيف يُحكم ببراءتهما من كل ذلك الآن؟ وماذا عن صفقات الفساد والنهب وتفقير الشعب المصري؟
وشكّل الحكمُ صدمة قوية لعائلات شهداء الثورة وصرح كثيرٌ منهم بأنهم يشعرون بأن تضحيات أبنائهم ذهبت سدى، وهو قولٌ يحمل الكثير من الصحة لأنه يؤكد أن سقوط رؤوس نظام مبارك لا يعني سقوط نظامه في حد ذاته، فهو لا يزال يحكم من خلال المجلس العسكري الذي يحضِّر الآن لترسيخ أركان النظام مجدداً بعد أن زلزلته ثورة 25 يناير، من خلال إيصال شفيق إلى سدة الرئاسة، وبالتالي محاصرة الإخوان ووضع حد للثورة، خصوصاً وأن شفيق قد أعلن أنه سيعيد بسط الأمن بعد 24 ساعة فقط من انتخابه، ما يعني أنه سيواجه كل المتظاهرين والمحتجين على وصوله إلى الرئاسة بقمع وحشي بذريعة أنهم يقفون ضد “الإرادة الشعبية”.
وما دام المجلس العسكري قد أظهر نواياه بوضوح من خلال إيصال شفيق إلى الدور الثاني للرئاسيات والأحكام التي حكم بها القضاء-ولا أقول العدالة- بحق مبارك وأعوانه، فمعنى هذا أن الثورة المصرية تقف الآن في منعرج حاسم وأن الأيام القليلة القادمة ستكون فاصلة باتجاه نجاحها أو فشلها، وقد تحمل معها الكثير من المفاجئات والأحداث غير السارة؛ فجولة الإعادة للرئاسيات ستنطلق بعد أيام قليلة فقط، والأرجح أنها ستتعرض لتزوير واسع بهدف إيصال شفيق إلى الرئاسة وقطع الطريق أمام الإخوان المسلمين، لاسيما وأن هذه هي رغبة الدول الخليجية والكيان الصهيوني وأمريكا وعدد من الدول الغربية التي طالما أبدت تخوفها من استئثار الإخوان بالحكم وانعكاسات ذلك على العلاقة مع الكيان الصهيوني ومعاهدة السلام معه وكذا إنهاء حصار غزة ودعم إخوانها المنضوين تحت لواء حماس بالسلاح والمال والتأييد السياسي.
وإذا كان لوصول شفيق إلى الدور الثاني، والأحكام الصادرة ضد مبارك ورموز نظامه، من أثر إيجابي، فهو يكمن فقط في إيقاظ مخاوف المصريين على ثورتهم مجددا، وخشيتهم من اختطافها وإجهاضها وإجهاض المسار الديمقراطي الحقيقي الذي تذوقوه في الانتخابات التشريعية الماضية، وتكريس النظام الديكتاتوري الذي طالما أذلهم وأفقرهم وأهانهم، كما قزم دور مصر الريادي وتأثيرها الإقليمي وحولها إلى مجرد ذيل تابع لأمريكا وحارس حدود للكيان الصهيوني.
ولعل الخشية من تكريس نظام مبارك في صورة شفيق، هو الذي سيدفع عشرات ملايين المصريين إلى التوحّد في جولة الإعادة يومي 17 و17 جوان الجري، قصد قطع الطريق أمام “الفلول” والإجهاز عليها، قبل أن تعود لتمسك زمام الحكم وتجثم على صدورهم مجددا وتكبت أنفاسهم.
وإذا أُختطف النصرُ من محمد مرسي في جولة الإعادة، وهذا أمرٌ وارد، فإن آلاف المتظاهرين الذين رأيناهم ينزلون إلى ميدان التحرير فور صدور الأحكام بحق مبارك ورموز نظامه، سيصبحون بالملايين وسيعلنون بداية ثورة ثانية لتحرير مصر من النظام العائد مجدداً، فالمتظاهرون الذين قدموا مئات الشهداء للإطاحة بمبارك، لا يمكنهم أن يقبلوا بالالتفاف على ثورتهم وإعادته إلى الحكم بثوب رئيس وزرائه شفيق. إنما نتمنى أن تُجرى الانتخابات في شفافية تامة، وتحقق ثورة الشعب أحد آخر أهدافها وتجنِّب مصر شرّ الدخول في أزمة خطيرة قد تزعزع استقرارها وتضعها على كف عفريت.