الذكرى الستون لوفاة الشيخ أبي يعلى الزواوي/د.مولود عويمر
توفي الشيخ أبو يعلى الزواوي في 8 رمضان 1371 هـ/ الموافق لـ 1 جوان 1952 ببيته بباب الجديد. ونشرت الصحافة الجزائرية خبر وفاته، وخصصت له عدة مقالات للتذكير بحياته العامرة وجهوده العلمية والإصلاحية. وكانت من أبرز هذه المقالات ما سطره قلم الشيخ أبي بكر جابر الجزائري في جريدة “القبس” لسان حال جمعية “الشباب الموحدون”، وما كتبه الأستاذ حمزة بوكوشة والشيخ إسماعيل الزكري، والشيخ أحمد سحنون في جريدة البصائر. وقد صلى على الشيخ الزواوي وأبنه صديقه الشيخ الطيب العقبي. ودفن بمقبرة سيدي عبد الرحمان الثعالبي.
وهذا المقال مساهمة أخرى في إحياء ذكرى الرجل والاستلهام من أفكاره، والاستفادة من تجربته الثرية، والوفاء للقيم التي عاش من أجلها هو ومن كان معه من العلماء على طريق الإصلاح والنهضة.
مسار حافل بالعطاء:
ولد الشيخ السعيد بن محمد الشريف بن العربي المعروف بأبي يعلى الزواوي في قرية تعاروسث بمنطقة أزفون سنة 1866. وتعلم القرآن الكريم ودرس اللغة العربية والعلوم الشرعية في زاوية تفريت ناث الحاج وزاوية عبد الرحمان اليلولي بمنطقة عزازقة.
كما تعلم اللغة الفرنسية ووظفها في خدمة دينه والدفاع عن قيمه السمحاء والرد على الشبهات التي تروج لها الصحافة الفرنسية. فقد نشر على سبيل المثال مقالا في 3 حلقات في مجلة الشهاب عنوانه: “التسامح الإسلامي ونظر المسلمين إلى غير المسلمين ونظر غيرهم إليهم” ليرد على مقال نشرته مجلة “الصدى الكنيسي لقسنطينة وبونة”، ويدحض بالحجة كل تهم التعصب والبطش الملصقة بالإسلام تجاه اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة. وهي حجج مستقاة من كتابات المستشرقين المنصفين.
سافر الشيخ أبو يعلى إلى تونس في عام 1893 لمواصلة دراسته بجامع الزيتونة. كما رحل إلى الشام والحجاز ومصر، فعاش 10 سنوات في القاهرة ودمشق التي اشتغل بها كاتبا عاما في القنصلية الفرنسية.
واتصل خلال إقامته في المشرق العربي بعلمائه والعلماء الجزائريين المهاجرين أمثال الشيخ طاهر الجزائري والشيخ محمد الخضر حسين والشيخ الرزقي الشرفاوي. كما شارك في مختلف النشاطات الثقافية والعلمية.
وبعد عودته إلى الجزائر في سنة 1924، عمل إماما في مسجد سيدي رمضان في القصبة. واشتهر بخطبه التي تجذب إلى هذا المسجد الصغير المصلين من مختلف ضواحي العاصمة. وقد قال في هذا السياق أحد رواده النابهين “إن خطب (الشيخ الزواوي) المنبرية كانت نماذج حية من الدعوة إلى الله والمحافظة على السنة والمقاومة الشديدة للبدعة في أسلوب مؤثر ولغة شعبية واضحة مما جذب إليه النفوس ولفت إليه الأنظار فأصبح جامع سيدي رمضان يضيق بوافديه رغم بعده وصعوبة الوصول إليه ولكن هيهات هيهات فالمورد العذب كثير الزحام ورب بعيد وهو قريب، وقريب وهو بعيد.”
وانضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأصبح أحد أبرز أعضائها ومفتيها وكتاب جرائدها المختلفة.
أما عطاؤه الفكري، فيتمثل في مجموعة كتب ومقالات كثيرة نشرها في الصحافة الجزائرية والمشرقية. ومن هذه الكتب أذكر هنا: ، “الإسلام الصحيح” الصادر بمطبعة المنار بالقاهرة سنة 1916، وهو يقع في 120 صفحة من الحجم الصغير؛ و”تاريخ الزواوة” المنشور بدمشق عام 1921، وقد أعاد نشره الأستاذ سهيل الخالدي في عام 2005 بالجزائر؛ و”الخطب المنبرية” المطبوعة بالجزائر بمطبعة كاربونيل في سنة 1924، وهي تضم 78 صفحة؛ و”جماعة المسلمين” الصادر عن مطبعة الإرادة بتونس في عام 1948. وهو يقع في 75 صفحة.
كما نشر مقالات في جرائد جزائرية منها: المنتقد، الشهاب، النجاح، البلاغ، صدى الصحراء، وادي ميزاب، الصراط، السنة، الشريعة والبصائر. وجرائد عربية منها: الزمان التونسية والفتح المصرية والبرهان اللبنانية… وهو يعد مع عمر بن قدور الجزائري ومحمد السعيد الزاهري أكثر المثقفين الجزائريين المساهمين في الصحافة المشرقية.
الشيخ أبو يعلى الزواوي بعيون معاصريه:
لقد أشرنا في بداية هذا المقال إلى كتابات عدد من العلماء والمثقفين الجزائريين عن الشيخ أبي يعلى غداة وفاته. وتواصلت الكتابات عن هذا المصلح إلى غاية يومنا هذا. ولا بأس أن نشير هنا إلى بعضها.
لقد وصفه الشيخ أحمد سحنون فقال: ” إن الشيخ أبا يعلى إحدى الدعائم القوية التي قام عليها هيكل الإصلاح وحركة جمعية العلماء. لقد كان قوي الإيمان ثابت الجنان صريح الرأي حر الضمير صادق اللهجة قوي الحجة واسع الاطلاع على الشريعة وعلى الاستعمالات الصحيحة للغة الضاد شديد الغيرة على دينه ولغته لا يدع أي فرصة لا يستغلها لخدمتهما ولا تأخذه في الدفاع عنهما لومة لائم ولا يخيفه بطش جبار و لا كيد استعمار إنما كان صدق إيمانه ويقظة ضميره وحسن ثقته في الله هي المسيطرة عليه في كل ما يأتي وما يدع حتى استهدف لألوان مختلفة من البلاء والحرمان ولكنه كان يتلقاها كلها بإيمان وصبر وجلد.”
أما حمزة بوكوشة فقد قال عنه: ” هو حر التفكير والتعبير والتحبير، صادق النية، سليم الطوية، حارب البدع والأوهام، وأنار العقول والأفهام… وقد تعرض من جراء ذلك إلى حرمانه في الوظائف السامية والعلاوات التي يتمتع بها من لا يجرون معه في مضمار و لا يشقون له غبار.”
كما ربطته علاقات قوية برجال الثقافة والإصلاح في العالم الإسلامي منهم الشيخ طاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا وشكيب أرسلان ومحمد كرد علي وعبد القادر المغربي ومحب الدين الخطيب… لكن للأسف ضاعت كل هذه الرسائل.
ولعل هذه الشهادة لواحد منهم تكشف عن تقدير علماء الشام لهذا العالم الجزائري، وتبرز صورا من التواصل الفكري والعلمي بين الجزائر والمشرق العربي في العصر الحديث.
فقد أثنى الأستاذ كرد علي على إنتاج الشيخ الزواوي، وقرظ بعضه في مجلته “المقتبس”، فقال في هذا الشأن: “والمؤلف معروف في دمشق منذ كان نزيلا فيها قبيل الحرب العامة. وهو من العلماء الذين يميلون إلى التجديد والإصلاح الديني عن طريق الدين نفسه. ولا ريب أن كتابيه “الإسلام الصحيح” و”الخطب” من خير ما يطالعه المطالعون الذين يهمهم أمر دينهم، وصلاح حال أمتهم، كما يهمهم أمر أنفسهم.”
وقد جمع الدكتور أحمد الرفاعي الشرفي مجموعة كبيرة من مقالات الشيخ الزواوي، ونشرها عن دار الهدى في سنة 2011. كما نشر عنه الدكتور أبو القاسم سعد الله بحثا قيما في عام 1982 في “المجلة التاريخية المغربية” الصادرة في تونس.
وأنجز عنه الأستاذ محمد أرزقي فراد رسالته لنيل شهادة الماجستير في التاريخ بجامعة الجزائر عنوانها: “الأفكار الإصلاحية في كتابات الشيخ أبي يعلى الزواوي (1866-1952)”. ونشرت البصائر في شهر ديسمبر الماضي دراسة للباحث محمد بسكر عنوانها: “تفعيل العمل الجماعي داخل النسيج الاجتماعي وفق منظور الشيخ أبي يعلى الزواوي”.
وفي مجال المحاضرات والندوات، قدم الشيخ أحمد حماني محاضرة في المركز الثقافي الإسلامي في 10 أفريل 1978 عنوانها: ” بعض آثار الشيخ أبي يعلى الزواوي”. كما نظمت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ملتقى عن أبي يعلى الزواوي المصلح الاجتماعي والتربوي” في مدينة أزفون يومي 17 و18 جويلية 2005. وقدمت خلاله عدة شهادات ومحاضرات عن حياته وجهوده في مجال التربية والتعليم والإصلاح الاجتماعي.
نتمنى أن تتاح لنا الفرصة في الأيام القادمة للعودة إلى الشيخ أبي يعلى الزواوي رحمه الله لدراسة كتبه وتحليل أفكاره.