عندما يتفلسف المحلل الجزائري من فرنسا! / أ.عفاف عنيبة
لم أصوت في الانتخابات التشريعية الأخيرة في العاشر من ماي الماضي، كنت من الجزائريين المقاطعين، وهذا حقي الدستوري الذي لا غبار عليه.
يبقى أن في فترة الحملة الانتخابية، لم أكن أتابع ظروف الحملة، ولم أستمع للمرشحين، وإنما كانت لدي فرصة في متابعة الطاولات المستديرة التي تكرمت بتنظيمها بعض القنوات الفرنسية الإخبارية حول ملف الأوضاع السياسية في الجزائر، ووقفت على مواقف بعض الجزائريين من الخبراء والمحللين المقيمين في فرنسا، ومرة أخرى تأكدت من أن خطابات هؤلاء لا تمت بصلة لانشغالات المواطن الجزائري العادي، سمعتهم يتحدثون عن الحرية، أي حرية؟ حرية على الطريقة الفرنسية حيث كل مقدس حرام وكل حرام حلال؟
سمعتهم يتحدثون عن الاستبداد وفساد النظام، وكأن من هم في النظام الجزائري ليسوا ببشر بل من طينة خاصة، الفساد في الدولة الجزائرية وخارجها هو من فعل أفراد بشر متساندين، وهؤلاء علينا بمواجهتهم سلميا وحضاريا، طبقا للقوانين المتاحة، وبكل وسائل الضغط التي لا تتمثل طبعا في حرق أرشيف البلديات وتدمير الممتلكات العامة!
سمعتهم يبشرون بغد بائس يائس للجزائر، هل نسي هؤلاء أن للكون خالق وأن ربنا عز وجل يكره المؤمن اليائس، ويحب المؤمن القوي المستبشر؟ هل نسي هؤلاء أنهم يخاطبون عبر القنوات الفرنسية جمهور جزائري لا يحتاج إلى مزيد من جرعات اليأس، كأنهم كانوا يحرضون بعض شبابنا الطائش على حرق نفسه والعياذ بالله!
سمعت هؤلاء يتكلمون على أن الدولة الحالية أعادت أسلمة الجزائر من خلال غلقها للحانات وانتشار اللباس الإسلامي – لا وجود للحجاب الشرعي في الجزائر إلا قلة قليلة جدا تلبسه – فأي لباس إسلامي منتشر يتكلمون عنه؟ كم كان محزنا لهم أن تقوم الدولة بإعادة أسلمة المجتمع الجزائري المسلم! كم كان محزنا لهم أن تبنى المساجد في الجزائر بالآلاف المؤلفة! وأصابتهم صدمة حينما علموا بأن مليار دولار سينفق في بناء أكبر مسجد في العالم، في العاصمة الجزائرية، وإن كان بعضهم هوَّن من الأمر، حيث قال محلل فرنسي “هذا الحدث تفصيل صغير مقارنة بالآلاف من المساجد التي تبنى في الجزائر!”
فتمتمت في نفسي: ما بهم هؤلاء الجزائريين المقيمين في فرنسا؟ هل كانوا يريدون من الشعب الجزائر أن يبني عوض المساجد، الآلاف من الكنائس؟
سمعتهم يتحدثون عن النظام الجزائري الذي يرفض الاستقالة والرحيل، ولكنهم نسوا أو لِنَقُل تناسوا أن بذور الاستبداد والفساد زرعتها سيدتهم فرنسا حينما رحلت في 1962، وتركت خلفها عملاء أمناء انتشروا في دواليب الدولة الجزائرية، وقد تحالف بعضهم فيما بعد مع رؤساء عصابات المافيا ليتحكموا في مصير شعب كان طيبا حقا، لأنه راهن على المسؤولين الصالحين في الدولة الجزائرية، فإذا برجالنا الصالحين وجدوا أنفسهم محاصرين من طرف الطوق الفاسد! وهذا دون ذكر تواطؤ بعض المحسوبين على الأحزاب المسلمة مع الأطراف الفاسدة، ونهجهم سلوكات مشبوهة أضرت بسمعة الإسلام وأفقدت ثقة المواطن الجزائري فيهم!
سمعتهم يتحدثون عن جزائر كما يريدونها هم الذين يعيشون في فرنسا، فرنسا تمجيد الإستدمار، فرنسا القنبلة النووية في رقان وعين أمقل، فرنسا حضارة الحقد الصليبي، فرنسا الأزمة والديون، فرنسا التي تكره أبناءها الوطنيين – أقصد مارين لوبان – فرنسا السارقة لأرشيف وأموال الجزائر في خزينة الداي!
يا إلهي كنت أستمع إليهم وأنا أضحك، يتكلمون عن النضال، وأي نضال؟ نضال من صالونات فرنسا المسمومة؟ أي نضال وأي ديمقراطية علمانية تعدون بها الجزائر؟ لا أحد فهم درس الجزائر!
الجزائر أكبر من أن ينظر لمستقبلها هؤلاء القابعين في فرنسا وغيرها من الدول، المواطن الجزائري البسيط هو المنتصر في الجزائر اليوم، هو من عايش يوميات بلده منذ 1962، هو من انتفض في 1988، وهو من دفع ضريبة الدم في التسعينيات ليحمي أرضه ومصيره السيد في بلد الشهداء الأبرار، المواطن الجزائري البسيط هو من يقرع الأجراس لمسؤوليه الفاسدين وهو من يحاسبهم عبر الإضرابات والإعتصامات، وهو من مارس حقوقه الساطعة في كل أيام السنة، مارسها بفخر أجداده، وشعوره الفخم بالعزة والكرامة، ولا نريد من أحد في فرنسا أو غير فرنسا أن يسدي لنا دروسا! الخزي والعار لكم يا من تتجرأون على التفلسف ونسج الأوهام، متلاعبين بمصير أرض كانت وستبقى بإرادة أبنائها قلعة الحرية والكرامة إن شاء الله.