ظواهر الشذوذ الاجتماعي والعدوان على الإنسان!/د٠عمّار طالبي
شاهدنا أخيرا منظرا غريبا، واحتفالا فاخرا بزواج الكلاب، وربما شاهدنا احتفالا آخر بزواج الفئران، وأعلى من ذلك زواج القردة، وبعدما شاهدنا الزواج المثلي، والدعوة إليه، وتكوين الجمعيات لنشره وحمايته، والحصول على تقنينه وشرعيته. والأغرب من ذلك مباركة بعض القساوسة للزواج المثلي، وإباحته، وما تزال مثارات الشذوذ والغرابة تنمو، وقد صدق ابن خلدون الذي صرّح في مقدمته أنه: إذا فسد دين الإنسان وأخلاقه فقد مُسخت إنسانيته.
لذلك نرى إهدار حياة الإنسان، وإراقة دمه، وانتهاك حرماته تزداد وتقوى في القرن الواحد والعشرين، مع كثرة منظمات حقوق الإنسان، ونداءاتها وبياناتها التي تذروها الرياح، ولا ترى لها آثارا قوية، تمنع هذا العدوان على كرامة الإنسان وحياته.
فحب السلطان، وشهوة الطغيان مصدر هذا العدوان، والدافع إليه، فهذه حروب تشنها الدول القوية على أوطان الضعفاء، وتأتي معها بأحلاف من دول تتعاون على الشرّ، والقتل، في أوطان غير أوطانها، وشعوب غير شعوبها، تقتل فيها الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ بالطائرات دون طيار، والصواريخ، ومختلف أسلحة الدمار، ويفتخرون بأنهم ذبحوا بن لادن وتغلبوا عليه، كأنّه رئيس دولة عظمى هزموه، وكأنه قائد جيش جرار مسلح بأحدث الأسلحة، وبالأساطيل البحرية الضخمة في أعالي البحار انتصروا عليه، وهم قتلوه غيلة لا غلابا، وخدعة ماكرة لا مواجهة شريفة، كما يفعل الفرسان الشرفاء في الحروب، ويعتدون في الوقت نفسه على سيادة دولة، يزعمون أنها حليفتهم، وناصرتهم. ومعنى هذا فقدان كل قيمة أخلاقية، وكل عهد سياسي يحفظ للناس كرامتهم، وللسياسة وجهها، وللعهود والعقود الوفاء بها.
الاحتفال باغتيال بن لادن يقوم به رئيس أكبر دولة اليوم، وأعظمها، ليكون ذلك لعبة انتخابية، وإعلانا عن انتصار عظيم.
وينسى هؤلاء المآسي التي ارتكبوها، والجرائم التي تعمّدوها، في حق الإنسان وأوطانه.
دمروا العراق، وزرعوا ألغام الفرقة، والإحن والأحقاد، لا تنطفئ نارها، ولا تحدّ في النفوس والنفائس آثارها، وصبّوا الدمار والنكبات على شعب أفغانستان ووطنه سنين عددا، بطرائق حرب إجرامية قِدَدًا، اغتالوا الآمنين بطائرات دون طيار، وشردوا سكانه الفقراء شرّ تشريد.
كذبت الديمقراطيات الغربية، وخيبت آمال الناس فيها، حتى كرهوا اسم الديمقراطية واسم الحضارة، وحقوق الإنسان التي شوّهت حقيقتها، وكذبت وعودها، وساءت سمعتها، ويئس الناس منها، فقد أيدت الديمقراطيات الغربية احتلال اليهود لفلسطين، وغيبوا كل قرار أممي، وأصروا على الباطل وتقويته، والشرّ ودعمه، فأوغل اليهود في الاستيطان، وولغوا للثمالة في دم أهل فلسطين، وسلب أرضهم واغتصابها يوميا، وبناء الجدران واقتلاع شجر الزيتون المبارك، وما ينتجه من أصفى زيت وألذه طعما، وأطيبه رائحة، وأزكاه فائدة وصحة.
كم شاهدنا من عجوز تصيح وتنادي باكية تحت شجرة الزيتون، مقطعة الأوصال، قطعها المستوطنون تحت حماية جيش اليهود وأسلحتهم، وغزة ما تزال محاصرة، والأسرى ما يزالون يعذبون، والآخرون يحتفلون بزواج الكلاب، يزعمون أن للحيوان حقوقا، ويديرون ظهورهم لحق الإنسان في الحياة تمردا وعقوقا.
إنه الشذوذ حقا والكذب صراحة.