مدينة الشلف… قبلتنا/ د.عبد الرزاق قسوم
عندما لعلع رعد البشائر بقسنطينة مؤذنا بميلاد فكرة جمعية العلماء، فزرعت النبتة بنادي الترقي بالجزائر، فأثمرت حصادا في تلمسان، وغليزان، ووهران، وعمت بشائرها كل أنحاء الوطن الجزائري بالرغم من القحط الفكري الذي كان سائدا، والجفاف الثقافي الذي كان قاتلا.
سرت فكرة الإصلاح في دماء الجزائريين كما يسري المصل الناجع في عروق الجسم العليل، فأعاد الله الحيوية المفقودة، وبعث الانتعاشة المنشودة.
تلك كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، يوم ولدت منذ واحد وثمانين سنة خلت، فبعثت الرجاء والأمل، بعد يأس وملل. لم تطأطئ هامتها لعواطف الاستعمار، ولم تحن جبينها العالي لدسائس، ومكائد الموالين له من عملاء وخونة الديار.
وتعاقب على حمل المشعل صفوة من العلماء الأبرار، فكانوا علامات مضيئة، وعلاّمات العلم والحقيقة، في طريق السير نحو نبل الأهداف العريقة..
واليوم وجمعية العلماء، تحيي ذكراها الواحدة والثمانين، فإنها تقف مرفوعة الهامة، منتصبة القامة، أقوى من أي وقت مضى، تنشر ظلالها على الناس، وتبشر بحسن الوعي، وعمق الإحساس. وكما بدأكم تعودون، فبعد تشييد المدارس التي كانت للجيل الذهبي مغارس، وبعد جهود الإعداد والاستعداد التي قادت إلى الجهاد والاستشهاد، واستقلال البلاد والعباد، تخوض الجمعية، معركة أخرى هي معركة التأصيل والتأهيل، بتوعية الجيل بمخاطر العنف والتقتيل، والغلو والتجهيل.
إن جمعية العلماء اليوم، لما حباها الله من شعبية ومصداقية، وبما وهبها من ثقة الجماهير في مبادئها الوطنية العربية الإسلامية، لتعي ثقل المسؤولية في بلورة وتجسيد القيم الباديسية في ربوع ميادين الحياة العصرية في هذا الانبعاث الحضاري النبيل، تقوم الجمعية بالدور الجليل، المنوط بها في ترشيد الناشئة من أبناء الجيل، وهي لذلك تطوي المسافات، وتجتاز الولايات لعقد الملتقيات والمؤتمرات، تذكيرا بالماضي التليد وتبشيرا بصنع المستقبل بما هو آت.
وتأبى ولاية الشلف، بعد كل من غليزان وغرداية، وقسنطينة، وخنشلة، والبويرة وتازمالت، والبرج وغيرها، تأبى الشلف إلا أن تفرض نفسها، قبلة ثقافية في هذا الملتقى، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الواحدة والثمانين.
لقد حبا الله، ولاية الشلف، فتية آمنوا بربهم، فزادهم هدى، وواليا صالحا، قدوة لمن اقتدى، وبذلك يمم شطر الشلف نخبة من أهل الفكر والعلم، فطبعوا الملتقى بطابع فسيفسائي، وطني، ودولي، وذلك من التنظيم الرائع، والمستوى العلمي الذائع.
ضربت ولاية الشلف اليوم المثل الجيد في كيفية تجنيد الشباب، والسهر على تحقيق النجاح، والاستهانة بالصعوبات، فقدموا لباقي الشُّعب الولائية النموذج القدوة في الإيمان بالثوابت، والبذل في سبيل الذود عن مبادئ الجمعية بتفعيلها في الساحة الوطنية الإسلامية..
ولعل ما يمكن استخلاصه من درس الشلف مجموعة من المعاني يمكن حصرها فيما يلي:
1- إيمان الشباب في الشلف بقدرته على خوض تنظيم ملتقى دولي قد تعجز عن تحقيقه الدول، ولكنهم بفضل حزمهم وعزمهم تخطوا الصعاب وتعلقوا بالسحاب، فحققوا النجاح المستجاب.
2- تقديم صورة عن جمعية العلماء في اعتدالها، وتسامحها، وتفتحها على المجتمع، حتى مع الذين قد يختلفون معها، فكانت فسيفسائية طبعت المشهد الثقافي في مشهد الشلف الثقافي.
3- التلاحم الذي طبع العمل التنظيمي من القيادة والقاعدة، والذي كان له الأثر الكبير في تجنيد وسائل الإعلام التي وجدت نفسها أمام خطاب إسلامي جديد متجدد.
4- التحكم في التكنولوجيا، بتحقيق السبق الإعلامي، في الإرسال المباشر لموقع الجمعية الإلكتروني الرسمي، وهو الموقع الذي يعتبر أحسن هدية تقدمها جمعية العلماء، للشعب الجزائري في الذكرى الواحدة الثمانين لميلادها، والذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر.
هذه المعطيات كلها، يحق لنا أن نعتبر ولاية الشلف، قبلة ثقافية، ولى وجوههم شطرها، علماء الأمة ومفكروها، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ولمثل هذا فليعمل العاملون