﴿وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم﴾ (الحشر/ 2)/الدكتور عمار طالبي
يتسابق بنو إسرائيل في بناء الجدران، والحصون، والقرى الاستيطانية المحصنة، فبعد بناء الجدار الذي مزّق القدس وأكنافه، وأفسد على الفلسطينيين حياتهم، وحال بينهم وبين أراضيهم، وبعد الشروع في الجدار الذي يفصل بينهم وبين مصر، سارعوا اليوم إلى بناء جدار آخر يفصل بينهم وبين أرض لبنان.
فكأنهم يحاصرون أنفسهم، خوفا ورهبة، إنهم في رعب دائم، وفزع لا نهاية له، لأنهم يدركون أنهم محتلون، وأن الأرض ليست أرضهم، فلا يقر لهم قرار، لأن المظاهرة الحاشدة التي وقعت على هذه الحدود من لبنان وغيرها، أرعبتهم، كأنها شدّت عليهم الخناق، فضاقت صدورهم، وملئت رعبا أيضا مما يحدث اليوم في مصر وغيرها، فظنوا أن هذه الحصون نجاة لهم، تقيهم ما يمكن أن يقع عليهم من هجوم يقتلع جذورهم، وفي تلك الأرض يدفنون، ويفنون، ولعل القدر يهيئ لهم أن يحفروا قبورهم بأيديهم تحت تلك الجدران التي فات زمانها في التحصين والمنعة اليوم.
وكما قال الله تعالى فيهم من قديم: ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ (الحشر/13).
إن صدورهم تغلي بالرهبة، لا تشعر بأمن مهما يحصّنون أنفسهم بالجدران، وكما قال الله تعالى فيهم في كتابه: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ ﴾ (الحشر/ 14).
إن العرب والمسلمين اليوم قد أخذوا ينفضون عن أنفسهم الاستبداد، ويتوقون إلى الحرية، ويأبون الذل والاستعباد، فلا يظن بنو إسرائيل أنهم بمنجاة، وأن هذه الشعوب تظل نائمة، وأن شبابها لا يقدم على تحرير مقدّساته، ذلك موعد غير بعيد.