مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث وطنية ومحليةحدث وتعليق

"أسقطتها أمانة العلم"/أ.محمد الهادي الحسني

كتب محمد السعيد الزاهري (1899 – 1956) مقالا عن الدكتور محمد ابن شنب (1869 – 1929)، تحدث فيه عن تواضعه الكبير، وعلمه الغزير، حتى إن الصحفي القدير عمر راسم (1884 – 1959) وصفه قائلا: “لقد كان معجما لغويا يمشي على الأرض (1)”، وعقب الزاهري على كلام عمر راسم فقال: “وهو وصف صادق لا مبالغة فيه ولا إغراق، فقد كان يحفظ اللغة المدوّنة في المعاجم، ويحفظ شيئا كثيرا من اللغة التي لم تدوّن بعد(2)”.

وتحدث الزاهري في مقاله عن أصالة الدكتور ابن شنب، وتمسكه – وهو الأستاذ بالجامعة – بلبساه الجزائري، وعن محافظته على صلواته، وذكر الزاهري أنه سأل الدكتور ابن شنب : “كيف تصنع إذا أدركتك الصلاة وأنت في جلسة رسمية؟”، فأجابه الدكتور ابن شنب: “أوقف الجلسة للاستراحة، فيستريح الزملاء بخطوات يمشونها، ودخائن – سجائر – يشعلونها، وأستريح بأداء المكتوبة، وأجد من الراحة في صلاتي مالا يجدون هم في مشيهم وتدخينهم (3) “، وليعلم المعقّدون والمستلبون منا أن ابن شنب كان يفعل ذلك، وهو موظف في جامعة فرنسية، وإدارتها فرنسية..

ومما ذكره الزاهري أنه زار الدكتور ابن شنب في جامعة الجزائر – حيث كان يدرّس – فرآه مع إحدى الفتيات كانت تحدثه وتبكي بكاء مرّا، فلما ذهبت بشأنها، وفرغ الدكتور ابن شنب للزاهري قال له إن هذه الفتاة جاءته تشكو سقوطها في الامتحان، وأنه كان سبب سقوطها. ولا شك في أنها جاءت تستعطفه، وتحاول التأثير عليه بدموعها..

وقد أورد الزاهري تعليق الدكتور ابن شنب على ضيع تلك الفتاة وهو: “وددت لو أنها نجحت، ولكن أسقطتها أمانة العلم، وما هي قيمة العالم إذا لم يكن ثقة ولا أمينا (4)”.

تذكرت هذه الحادثة عندما قرأت في جريدة “الشروق اليومي” ليوم (15 / 10 / 2012.ص 4) أن أستاذا – د. أحمد عيساوي- أوقف مناقشة رسالة ماجيستير، لأن مقدمها سرقها من رسالة في الموضوع نفسه نوقشت في سنة 2008، في الجامعة نفسها، وفي الكلية ذاتها، حسب رسالة وجهها الأستاذ إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

إن “أم الكوارث” ليست في هذه السرقة العلمية، ولكنها – حسب رسالة الأستاذ – في أستاذين يعرفان أن “رسالة الماجيستير” مسروقة، ومع ذلك قبلا مناقشة من سرقها، بل إن أحدهما كان مشرفا على الرسالة المسروقة، وكان مناقشا لأصلها في سنة 2008.

إن الحقيقة التي يجب التصريح بها ونشرها هي أن أكثر جامعاتنا قد انحط مستواها العلمي، وتدهورت الأخلاق فيها، فضاع فيها العلم والخلق معا. وقد تكرر هذا التسفل في أكثر من جامعة، ومما قرأناه في المدة القريبة الماضية أن طلابا سجلوا في كلية الطب بجامعة وهران، وكان أحدهم غير متحصل على شهادة البكالوريا، وكان آخران غير متحصلين على المعدل المطلوب للتسجيل في كلية الطب، كما أن فضيحة اكتشفت في كلية الحقوق بالجامعة نفسها، وفضيحة أخرى تولى كبرها طالب، حيث احتال على ثلاث جامعات حيث انتقل من السنة الثانية في كلية الطب في جامعة إلى السنة السادسة في كلية الطب في جامعة ثالثة. (انظر جريدة الشروق اليومي في 16 / 8 / 2012. ص3).

والله أعلم بالجرائم العلمية والأخلاقية التي وقعت وتقع في الجامعات والمعاهد الأخرى..

إن الأمر لم يبق محصورا في الطلبة، بل إن بعض الأساتذة في بعض الجامعات نزلوا إلى الدرك الأسفل في الانحطاط الأخلاقي، فقد قرأنا أن “أستاذا” في إحدى جامعاتنا شارك في مسابقة ثقافية في إحدى دول الخليج العربي، ونال جائزتها المالية، وشهادتها التقديرية ثم فضح على رؤوس الأشهاد، وفي وسائل الإعلام – المكتوبة، والمسموعة والمرئية – فسحبت منه الشهادة التقديرية، وسمعنا أن المؤسسة المشرفة على المسابقات أبقت له “الجائزة المالية” لأن همه الأول والآخر والظاهر والباطن فيها.. ألا بعدا للجشعين والطماعين.. وإن مثل هذه التصرفات التي تأمر بها النفس الأمارة بالسوء، وتوسوس بها في الصدور شياطين الجن، وتوحي بها وتساعد عليها شياطين الإنس هي التي جعلت أحد علمائنا يصرح قائلا: »إن مشكلة أمتنا هي في نخبتها«، سواء كانت هذه النخبة سياسية، أو اقتصادية، أو علمية، أو عسكرية، أو تجارية..

لقد أصبحت حياتنا في مختلف جوانبها تتسم وتتميز بالغش والتزوير، فمسابقات التوظيف تشوبها علامات التزوير، والانتخابات في جميع المستويات يطبعها الغش والتزوير، والصفقات أكثرها تنال بالغش والتزوير.. ولكن أخطر ما طاله هذا الغش والتزوير هو الميدان العلمي.. ثم نتعجب، وندهش عندما لا تذكر أية جامعة من جامعاتنا في الترتيب العالمي للجامعات، ونتعجب عندما لا تثق بعض الدول في شهاداتنا بمختلف درجاتها.

إن الأخلاق الحسنة هي أساس كل شيء، ولهذا لا تتسامح الدول المحترمة فيها، وقد أعطى الإسلام للأخلاق الكريمة مكانة وقيمة لم يعطها لها أي دين أو فكر، وأخرج من جماعة المسلمين؟؟؟؟ الغشاشين، والكاذبين، والخائنين، والمزورين والمرتشين ولم يمدح الله -عز وجل – سيدنا محمدا – عليه الصلاة والسلام – بالعلم، ولكن مدحه في كتابه الكريم بقوله : “وإنك لعلى خلق عظيم”

إن وطننا يهوي بسرعة فائقة إلى هوّة عميقة بسبب التّدنّي الفظيع في أخلاقنا في جميع الميادين، وقديما قال شاعر:

وليس بعامٍ بُنْيًانُ قَوْمٍ ** إذا أَخْلاَقُهم كانت خَرَاباَ

وقال:

وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم ** فَأَقِمْ عليهم مأْتَماً وعَوِيلا

وقال آخر:

لا تحسبن العلم ينفع وحده ** ما لم يتوَّجْ ربُّهُ بِخَلاَقِ

.

1 – 2) صالح خرفي: محمد السعيد الزاهري .ص136.

3) المرجع نفسه: ص 138 – 139.

4) المرجع نفسه: ص 138.

الشروق أونلاين/الخميس 18 أكتوبر 2012 ميلادي الموافق لـ 2 ذو الحجة 1433 هجري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى