بسم الله الرحمن الرحيم
روى الحافظ أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلاّل في كتابه أخبار الثقلاء، عن أبي هريرة أنه كان إذا استثقل الرجل قال: اللهم اغفر لنا وله، وأرحْنا منه.
وروي عن حمّاد بن أبي سليمان، قال: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف، ومن أَمِن أنْ يثقل ثقُل.
وروي عن مُساور الوراق قال: إنما تطيب المجالس بخفة الجلساء.
وروي عن جبريل المتطبب، وكان بالشام، قال: نجد في كتبنا أنّ مجالسة الثقيل حمّى الروح.
وروي عن يزيد بن هارون أنه كان يقول للإنسان إذا استثقله: اللهم لا تجعلنا ثقلاء.
وروي عن أبي أسامة قال: سمعت هشام بن عروة يقول لرجل: أنت أثقل من الزَّوَاقي، فسألتُ عنها الفرّاء، فلم يعرفها، فقال رجل من جلسائه: كانت العرب تسمُر، فإذا سمعت زُقاء الديكة استثقلتها؛ لمجيء الصبح، فأعجب ذلك الفراء.
وروي عن سفيان الثوري، قال: إنه ليكون في المجلس عشرة، كلّهم يخفّ، فيكون فيهم الرجل الذي أستثقله، فيثقلون عليّ.
وروي عن أبي معاوية الضرير، قال: قيل للأعمش: ما عوضك الله من ذهاب بصرك؟ قال: أنْ لا أرى به ثقيلا.
وروي عن ابن شهاب، قال: إذا ثقل عليك الجليس فاصبر، فإنه مرابطة (1) في سبيل الله، فإذا أبرمك، وأملّك (2) بحديثه فجاهد بقيامه عنك، أو قيامك عنه.
وروي عن ابن أبي يحيى قال: كنّا نأتي ابن أبي عتيق، نعرض عليه، فربما غمَّض عينيه، فنقف، فيقول: ما لكم؟ فنقول: نعستَ؟ فيقول: لا، ولكن مرّ بي إنسان ثقيل، فاستثقلته، فغمّضت عيني.
وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يجلس إليه رجل يستثقله، فكان إذا طلع دخل وتركه، فكتب إليه يستطلعه، فكتب إليه أبو عمرو:
إذا بثقيل زارنا في رحالنا * فأفِّ لنا من زائر ومقيل
لا يُفهِموني قَولَهُم * وَيَدِقُّ عَنهُم ما أقولُ
قَومٌ إِذا جالَستُهُم * صَدِئَت لقُربِهِمُ العُقولُ
فَهُمُ كَثيرٌ بي وَأعـ * ـلَمُ أنَّني بِهِمُ قَليلُ
قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت آية في الثقلاء: (فإذا طعمتم فانتشروا)، (ولا مستأنسين لحديث).
وقال الشعبي: من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء.
وقيل لجالينوس: بِمَ صار الرجل الثقيل أثقل من الحِمْل الثقيل، قال: الرجل الثقيل ثقله على القلب، دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين فيه القلب بالجوارح.
وقال سهل بن هارون: مَنْ ثقُل عليك بنفسه، وغمّك بسؤاله، فأعره أذنًا صمّاء، وعينًا عمياء.
وكان الأعمش إذا حضر مجلسه ثقيل، يقول:
وكتب رجل على خاتمه: أبْرَمْتَ فقُمْ، وكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه، وقال: اقرأ ما في هذا الخاتم.
وكان حماد بن سلمة إذا رأى مَنْ يستثقله قال: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون).
وقال بشار العُقيلي في ثقيل يُكنى أبا عمران:
وَلَقَد قلتُ إذ أَطَلَّ عَلى القَو * مِ ثَقيلٌ يُربي عَلى ثَهلان:
كيف لا تَحمِلُ الأمانَةَ أرضٌ * حَمَلَتْ فوقَها أَبا عمران
أقولُ لهُ إِذ بدا: لا بدا * وَلا حملَتْهُ إِلَينا قدَمْ
فَقَدتُ خَيالَكَ لا مِن عَمًى * وَصَوتَ كَلامِكَ لا مِن صَمَمْ
ولو ركبتُ البراق أدركني * منك على نأي دَارِك الثِّقَلُ
هل لك فيما ملكتُه هبة * تأخذه جُمْلةً وتَرْتَحِلُ؟
هل لك في مالي وما قد حَوَت * يَدَاي من جِلٍّ ومن دِقٍّ؟
تأخُذه منّي كذا فِدْيةً * واذْهب ففي البُعد وفي السُّحْق
لقد أكثرتُ [تفكيري] (8) * فما أدْرِي لما تَصْلُحْ؟
فما تصلح أنْ تُهْجَى * ولا تَصلحُ أن تُمْدَح
قال: وما أوْقارُها؟ * قلتُ: زبيبٌ وعَسَلْ
قال: ومن يَقُودها؟ * قلتُ له: ألْفَا رَجُل
قال: ومن يَسُوقها؟ * قلتُ له: ألْفَا بَطَل
قال: وما لباسُهم؟ * قلتُ: حُلِيٌّ وحُلَل
قال: وما سلاحُهم؟ * قلتُ: سُيوف وأَسَل
قال: عبيد لي إذن * قلتُ: نَعم ثم خَوَل
قال: بهذا فاكتبوا * إذن عليكم لي سِجِلّ
قلت له: ألْفي سجلّ * فاضمَنْ لنا أن تَرْتَحِلْ
قال: وقد أضجرتُكم؟ * قلتُ: أَجَل ثم أَجل
قال: وقد أبرَمتُكم؟ * قلتُ له: الأمر جَلَل
قال: وقد أثقلتكم؟ * قلتُ له: فوق الثِّقَل
قال: فإني راحلٌ * قلتُ: العَجَلْ ثم العَجَلْ
يا جبلاً من جَبَلٍ * في جَبَلٍ فوق جبَلْ (9)
يَمشي على الأرض مختالا فأحْسِبه * لبُغْض طلعته يمشي على كبدي
لو أنّ في الأرض جزءًا من سماجته * لم يَقْدَمِ الموْتُ إشفاقاً على أحد
لو فرَّ شيء قطُّ من شكله * فرَّ إذاً بعضك من بَعْض
كوْنُك في صُلْب أبينا الّذِي * أهبطنا جمعاً إلى الأرْض (10)
وقال ابن المعتز:
أوْجَعُ لِلْقلْبِ مِنْ غَرِيمٍ * ظَلَّ مُلِحًّا على فقير
ومِنْ جراحٍ بجسْمِ مُلْقًى * يُمْخَضُ مَخْضاً على بعير
بغير زادٍ ولا شرابٍ * وَلا حَمِيمٍ ولا عَشير
وقال الأصمعي: ليس في الدنيا أعمى إلاّ ثقيل، ولا أحدب إلاّ خفيف.
وقال بعضهم في أعمى:
لو عصتْ ربَّها الجحيم لما كا * ن سواه عقوبةً للجحيم
لا تُنكروا برده مع الثقل الـ * خارج إن الثلوج في الجبل
وقال نمر بن أحمد الخبزأرزي:
فكنتُ كمن شكا الطاعونَ يومًا * فزادوه مع الطاعون دُمَّلْ
وقال أبو حاتم السخاوي:
لقد ولدتْ حوّاء منك بليّةً * عليّ أقاسيها وثقلاً من الثِّقْل
قد زاد في الثِّقْل حتى ما يقاربه * في ثِقْله أحَد كلاَّ ولا أُحُد
وقال أبو بكر بن الأنباري في أماليه: أنشدنا محمد بن المرزبان:
كان عندي لها جلوس إلى أثـ * ـقل شخص على البلاد يرود
مَنْ لوَ انّ الجبال تدنو إليه * لرأيت الجبال منه تميد
[ولوَ] (14) اني جليسه كنت في الجـ * ـنة قلت: الخروج منها أريد
ليت أني كما أراه يراني * فيلاقي من ثقله ما ألاقي
تدعي أنك مثلي طيب * طيب أنت ولكن بِلَبِنْ (15)
تحمل منه الأرض أضعاف ما * تحمله من سائر الناس
أثقل في أنفس إخوانه * من جبل راسٍ على راس
قلت: لما قيل لي قد غضبوا * غضبُ الخيل على اللُّجم الدِّلاص
تكدُّر عيش المرء بعد صفائه * وهجر خليل كان للهجر قاليا
وثالثةٌ تُنسي الأحاديث كلها * ثقيل إذا أبعدت عنه أتانيا
ما خفت والله رُجحانا لمعصيتي * لو كنت وحدك في ميزان خيراتي
فما تَصلُحُ للهزل * وَلا تَصلُحُ للجدِّ
وماذا فيك من ثِقْلٍ * وماذا فيك من بَرْد
فلا صُبِّحتَ بالخير * ولا مُسّيتَ بالسَعْد
آنسوني بالقرب منهم وما [قد] (16) * شبت إلاّ من ذلك الإيناس
قد زاد في الثِّقْل حتى لا يوازنه * في ثقله أَحَدٌ كلا ولا أُحُدُ
فاعترانا كُلَّنا منـ * ـهُ انقباضٌ واحتشامُ
فهْو في المجلس فَدْمٌ * ولنا فهْو فِدامُ
وعلى الجملة فالشيـ * ـخُ ثقيلٌ والسلامُ
فكأنه قلبي لكلّ صبابةٍ * وكأنه سمعي لكلِّ عذولِ
غابَ عنّا ففرحنا * جاءنا أثقلُ منهُ
ثَقَّلَ الوطأةَ في زورته * ثم ما ودّع حتى سَلَّما
قال: غنّيتُ ثقيلاً * قلتُ: قد غنّيتَ نفسَك
أنتَ في الْمَنظَر إنسا * ن وفي الميزان فيل
ربِّ خذه إذا أتى * واعفُ عني إذا مضى
وما يخفُّ على قلبي حديثُكَ لي * لا والذي خلق الإنسانَ والجبَلا
قال: ما تشتكي فقلت له: قر * بك مني فدوائي بالبعاد