لم التنكر لنضال جمعية العلماء من أجل القضية الوطنية…؟/أ٠م العلمي السائحي
في إطار الاحتفاء بذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي يوافق الخامس ماي من كل سنة، أقام شباب ناس الخير حفلا ثقافيا بنادي الترقي، ألقيت فيه بهذه المناسبة كلمة توقفت فيها طويلا حول الأسباب الحقيقية التي فرضت تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وأبرزت فيها الدور العظيم الذي لعبه ابن باديس – عليه رحمة الله – في التمهيد لتأسيسها، ثم الدور الذي اضطلع به للتمكين لها بعد تأسيسها،
وبعد نهاية الحفل تقدم إلي أحد الحاضرين ليفاجئني قائلا: إن جمعية العلماء كانت تعارض الثورة التحريرية ولم تلتحق بها إلا في سنة 1956 ، فناقشته وأثبت له أن أول من أعلن عن تأييد الثورة المسلحة على المحتل الفرنسي إنما هي جمعية العلماء عن طريق نائب رئيسها الشيخ الفضيل الورتلاني، الذي نشر في الصحف المصرية يوم 3 نوفبر 1954 نداء بعنوان:” ثلاث صرخات” أعلن فيه عن تأييد الثورة ودعا الشعب إلى الالتفاف حولها، كما دعا شعوب المغرب العربي خاصة، والعرب عامة، إلى الوقوف إلى جانبها، ثم ذكرت له أن رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بعد عودته من باكستان إلى القاهرة سارع إلى إصدار بيان وقعه بمعية نائبه الشيخ الفضيل الورتلاني بعنوان:” أعيذكم بالله أن تتراجعوا” وأنه في هذا البيان الذي أذاعه من إذاعة صوت العرب بالقاهرة يوم 15 نوفمبر 1954، قد أسبغ فيه طابع الجهاد الشرعي على الثورة، أي أنه اعتبرها جهادا مقدسا، وأنه في فبراير سنة 1955، أي بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الثورة، أصدر فتوى تقضي بارتداد كل من يقف ضد الثورة ويمالأ الاحتلال الفرنسي عن الإسلام، ولكن الرجل على الرغم من ذلك ضل مترددا في قبول كلامي، فأحلته على آثار الإمام بن باديس والشيخ الإبراهيمي وعلى ما كتبته أنا من مقالات ناقشت فيها القائلين بعدم التحاق الجمعية بالثورة إلا تحت طائلة التهديد سنة 1956 كما يدعون، وقد أكد لي هذا الموقف العارض، أن أعداء جمعية العلماء بإصرارهم على دعواهم تلك والعمل على الترويج لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، قد تمكنوا من زرع تلك الفكرة في العقول وشكلوها وفقا لما يريدون ، وأصبحت الحاجة ماسة فعلا إلى القيام بعمل معاكس لما قاموا به، لتصحيح التاريخ الذي تعرض لتزييف خطير متعمد، لأجل صرف الناس عن الجمعية حتى لا تتمكن من التصدي لجهودهم الرامية إلى طمس معالم الشخصية الوطنية، ومقاومة ما يصبون إليه من ربط الجزائر بفرنسا بقيود التبعية لها إلى الأبد، حتى يحتفظون بامتيازاتهم التي تخولوها نظير تنكرهم لدينهم، ومناهضتهم لوطنهم ، لكن كما تمكن رجال الجمعية في الماضي من التصدي لأسلافهم “الذين أكلوا الغلة وسبوا الملة” فإن رجال الجمعية اليوم سيتصدون لهم وسيعملون جاهدين ليصححوا التاريخ الوطني، ويعيدون الاعتبار لأسلافهم الذين جاهدوا بصدق من أجل تحرير الجزائر من نير الاحتلال الفرنسي البغيض، ويثبتوا للعالم أجمع أن أول صرخة تعالت منادية بتحرير الجزائر إنما كانت من لهاة أبن باديس وعلى لسانه، كما قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي –عليه رحمة الله- أو ليس ابن باديس هو القائل:
شعب الجزائر مسلم
وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله
أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا له
رام المحال من الطلب
أو ليس ابن باديس هو الذي جمع جماعة من علماء الجزائر الذين تخرجوا من الزيتونة والأزهر سنة 1928 وحدثهم عن مثالب الاستعمار ودعاهم إلى تحمل مسؤولياتهم لتحرير البلاد والعباد من براثنه، وأن هذا الاجتماع هو الذي تقرر فيه العمل من أجل تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تلك الجمعية التي أخذت على عاتقها تحرير العقول والأرواح من أغلال الجهل والضلال، ليتمكن بعد ذلك أصحابها من تحرير أبدانهم و أوطانهم.
وهل هناك من ناضل بصدق من أجل غرس فكرة الوطن والوطنية مثل ابن باديس ؟ أليس هو القائل:”… إن الجزائر ليست فرنسا ولا تريد أن تكون فرنسا ولن تستطيع أن تكون فرنسا ولو أرادت…”
فهل يا ترى مثل هذه الجمعية التي قادها رجال أمثال ابن باديس تستطيع أن تتأخر عن الالتحاق بالثورة، وهي التي إنما تأسست للتمهيد لها والعمل لأجلها؟ وإذن لا تظلموا ابن باديس، ولا تظلموا الجمعية.