الحجاب والنجاشي ونحن / د.عبد الحفيظ بورديم
لا يزال أمر الله من أوّل الدّهور، جميلا بالحقّ عظيما في الظّهور. تسري آياته بين الآنام، حقيقة لمن يُعمِل بعض الإفهام. وكلّما ارتكس أدعياء الحقّ إلى الباطل، أجرى الله حكمته في مشهد حافل. كيوم ظنّت بنو إسرائيل اصطفاءها، جاءتها البيّنات تفضح ادّعاءها. وكيوم حُنَيْن إذ غرّتنا الكواذب، فلم تغن عنّا من الله القواضب.
لقد أطلّ الرّبيع بالفتنة السّالبة، ترى فيه عري البنات كالموضة الغالبة. هنّ مسلمات إن سألتهنّ، ولكنّهنّ غرّهنّ حسنهنّ، فبذلنه رخيصا للناظرين، وربّما نِلْن غزلا -في الشارع- من الكاذبين. وبعضهنّ جهلن آية الجلباب، فظننّه عادة لنساء الأعراب (وهنّ أهل الحضارة لا ينبغي لهنّ السّتر من النّظارة)، وبعضهنّ فهمن الجلباب ثيابا للصلاة، فإذا قضينها لا بأس أن يكشفن العورات. وبعضهنّ ظننّه خمارا فلبسنه، وارتضين سراويل الجينز فارتدينه. حتّى بَدَوْن كذيل المعزى المائل، وصدق فيهنّ قول القائل: أعلاهنّ لعمرو خالد، وأدناهنّ للـ……. خالد. فاعجب لهما إذ يجتمعان، في واقع بلا منطق ولا بيان.
وزاد الأمر تنكيدا والخطب تسهيدا، أن ترى في الإدارات تصلّبا شديدا. يسألون المرأة كشف الجبهة والأذنين، كأنّ حفظ الأمن لا يكون إلاّ بهتك الحُرْمَتين. ولو أنّهم قرأوا الآية في القرآن، لفهموا فتوى الشيخ شيبان، بتحريم كشف رؤوس النسوان، حين سأله أهل غليزان. وبعضهنّ يردن تعفّفا، ولكنّ عنف الواقع أكرههنّ تعسّفا.
وجاءني البريد، يزيّنه الخبر الجديد. عن فتاة من العُرْب ارتدت حجابها في بلاد الغرب. وأثارت بزيّها المتعفّف، أحقاد اليمين المتطرّف. فأرهبوها بالقول، وأرهبوا مديرها بالفعل. ولكنّ رجل الأعمال (ريميري)، حفظ كرامة (نعيمة) من كلّ مغير. وأعلنها في بلجيكا كلمة صريحة، لن يستجيب للنداءات القبيحة. واجتمعت إرادة الخير عند المواطنين، فوقّعوا سبع عشرة ألف عريضة مساندين. والملك (ألبرت الثاني) يتابع أخلاق الرّيادة، ويرقب شعبا يعشق حرّية الدّين والعبادة. وفي مثل همّة الفارس النبيل، أضحى الملك أشجع من كلّ أصحاب البترول. ودعا المسلمة إلى القصر، ليهبها الحصانة من الجَوْر.
كانوا ثلاثة من الكرام في مشهد عظيم لأولي الأفهام. امرأة اعتزّت بإسلامها، فتزيّنت بحجابها، وأغاضت شياطين الإنس فهدّدوها بالمسّ. ورجل أوربي فهم معنى الحرّية، فلم يسلبها من امرأة ذكيّة. وملك أعجميّ، كأنه الملك النجاشيّ. أيّدها بنصره، وبذل لها من خيره.
فيا بنات الإسلام السائحات، هذه إحدى الآيات البيّنات. ملك ينصر محتجبة مسلمة، لأنّها ظلّت بدينها معتصمة.
هلاّ تعتبرن فلا تتبرّجن؟ وتحفظن الدّين في ثيابكنّ إن خرجتنّ، عسى أن يرضى الله عنكنّ.