مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
الإمام محمد البشير الإبراهيمي

ملامح من أسس النهضة عند الإمام محمد البشير الإبراهيمي /أ.د.عبد السلام الهراس

إن الشعور العام الذي يحدث عند احتلال بلد مسلم ولا سيما في هذا الغرب الإسلامي هو بداية سقوط الإسلام ونهاية الوجود الإسلامي في هذا البلد أسوة بما حل بالأندلس والأندلسيين في القرون القريبة أخبارها من أجدادنا الذين توارثوا أخبار الطامة الأندلسية الكبرى التي ما تزال ذكرياتها حية في النفوس منقوشة في الذاكرة مسطورة في تراثنا الفقهي والتاريخي والأدبي نثره وشعره , والموسيقى والفنون المعمارية وفي تراثنا الاجتماعي وفي الأسماء الكثيرة للأسر الأندلسية وفاس وتطوان وشفشاون وبجاية وتلمسان وتونس وتُستر وغيرها إلى قرن الديمقراطية والحرية المبشر بهما في الغرب والمشروع في تطبيقها في العراق وأفغانستان.

لذلك فإن كثيرا من الأسر بالمغرب العربي المسلم هاجرت إلى المدينة المنورة اعتقادا منها أن الوقت وقت وجوب الهجرة إلى طيبة طبقا للحديث الشريف الوارد في غربة الإسلام وعودة الإيمان كله إلى المدينة كما بدأ: جاء في الحديث الشريف : عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها” رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم. وفي رواية عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:” …والذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، يكون كل إيمان بالمدينة”(1).

ومنذ قرون ذاقت الجزائر وتونس والمغرب مرارة الاستعمار الصليبي في بعض المدن والمواقع والشواطئ قبل الاجتياح الأخير منذ قرون وما تزال سبتة ومليلية ومواقع أخرى شاهدة على ذلك..

وقد استعصت هذه البلاد العربية الإسلامية على الاستعمار الذي دشن  استعماره بتحويل بعض المساجد إلى كنائس ووضع خطة وخططا لاستئصال الإسلام والإجهاز على العربية والشروع في التنصير، ومن حسن حظ المغرب أنه تنصر فيه فرد واحد فقط لكن الضجة الكبرى التي حدثت هو أنه من أسرة فاسية كريمة شهيرة (2). غير أن الأمور سارت على غير ما كان تهواه وتخطط له الدول المستعمرة : فرنسا, وإسبانيا… وكانت الحرب الناشبة بين الدول، فأوربا وتضارب المصالح فيما بينها وتغيرات الأمور والأوضاع في العالم واستمرار الجهاد وتواصله واستماتة الشعوب في الدفاع عن دينها وعوامل أخرى أكبر الآثار في إفساد الخطط التنصيرية والدعوة إلى الإدماجية والأنواع المكرية الأخرى…

وإن الجهاد في جبال الريف والانتصارات الساحقة والمتوالية وصنوه السنوسي في ليبيا زادا من حماس الغرب الإسلامي في المقاومة والجهاد وفتحا أبوابا جديدة للآمال والتطلعات نحو التحرر, وشاء الله أن تنبعث من الجزائر أكبر وأعظم حركة إسلامية في المغرب العربي أساسها العلم ووسيلتها المدرسة والمسجد والكتابة وروحها : تجديد الدين وإيقاظ الضمير وتوحيد الإرادة وترقية العقل وتهذيب الطباع وتسديد المسيرة…

وإن من مفاخر المغرب العربي أن ينبغ فيها عالم فذ وكاتب عظيم وإمام شجاع حمل هموم الأمة الإسلامية كلها وقاد جمعية علماء الجزائر في ظروف صعبة وأحوال شرسة واستطاع أن يرسخ جذور الجمعية ويوسع ميادينها ويجعلها منارة حضارية إسلامية خالدة وأسأل الله أن تكون مرحلتها الثالثة جديرة بأن تسهم في المسيرة الإسلامية الجزائرية والعالمية بما يرضي الله ورسوله والمؤسسين الرواد.

الإمام الشيخ  البشير الإبراهيمي هو نتاج المدرسة الإسلامية المتسمة بالموسوعية العلمية، والمشاركة في جل العلوم الإسلامية مثل ابن رشد الذي كان يفزع إليه في الفقه مثل ما يفزع إليه في الطب والفلسفة, وقد أدركنا كثيرا من علمائنا المبرزين في كثير من العلوم وإن كان بعضهم يغلب عليه العلوم النقلية أو العقلية أو النحوية والأدبية… لذلك نجد أمثال الشيخ محمود محمد شاكر -رحمه الله- من كبار الشعراء والكتاب والمحققين في الأدب والتفسير والحديث..

وشيخنا الإبراهيمي من هذا النوع الذي كان يملك ناصية الأدب مثلما يملك ناصية التفسير واللغة والفقه والحديث والتاريخ الإسلامي.. وقد كان الرجل يعيش بروحه في أبراج الحضارة الإسلامية وثقافتها وبجسمه وعقله في العصر الذي يعيش فيه، وقد تمرس بالحياة واطلع على كثير من جوانب عصره في بلده وفي الحجاز والشام وغيرهما لذلك عندما اضطلع بقيادة جمعية العلماء بجانب الشيخ عبد الحميد بن باديس ثم وحده مع ثلة من هذه المدرسة الإسلامية الرائدة كان رجل المعركة المناسب وقائد المسيرة الموفق يدري ما يريد ويعمل وفق مخطط واع وأهداف محددة وخطوات محسوبة وقد أتاه الله قلما لو وجهه للأرواح المحتضرة لأحيائها وللعقول الزائغة لهداها وللإرادات الخائرة لقواها ولو رمى بها الخصم لأصماه والحقود الحسود لأعماه، قلم يحرك السواكن ويهيج الكوامن نفاخر به كبار كتاب العصور العربية الذهبية ونباري به الأقلام العربية المعاصرة الفذة بل إن قلم شيخنا يمتاز بغزارة العلم وتدفق المعرفة وعمق التجربة وتوقد الخاطر وجمال الفواصل واختراع المعاني وجزالة الألفاظ وجمالها وسمات أسلوبية وفكرية كثيرة تحتاج إلى دراسات علمية رصينه وقد كدت أن أقف مع أسلوبه الأخاذ النافذ في الأرواح والعقول إلا أني ارتأيت أن أتجاوز ذلك لرصد معالم من أفكار الرجل في ميدان النهضة أو النهضات لنرى أن جمعية العلماء بالجزائر كانت تعد هذا البلد لا ليتحرر من ربقة الاستعمار ولكن ليكون في مقدمة الأمة الإسلامية.

لقد وجدت الجمعية نفسها أمام استعمار نصراني حاقد تمثله سلطات محلية مستبدة ظالمة معززة من باريس ومساندة من معمرين متغطرسين ” والاستعمار كله رجس من عمل الشيطان “(3) وفرنسا أبرع دولة في فقه الاستعمار بلغت فيه درجة الاجتهاد المطلق”(4).

وقد امتد جبروته إلى استعمار الدين نفسه (5) ” فهو يتولى شأنه ويصرف أمره يعين المفتي والإمام والمؤذن بشروطه لا بشروط الإسلام”.فالقيمون على المساجد هؤلاء هو وجه آخر للحكومة نفسها التي ما اختارتهم إلا بعد ما ارتضتهم ووزنتهم بميزانها لا بميزان الإسلام الذي ضربت به عرض الحائط، لذلك كان تسليم الحكومة المساجد لهؤلاء إنما هو تسليمها منها إليها(6) وهو يتدخل في شعائر الإسلام بالتضييق والتشديد، كل ذلك بروح نصرانية رومانية مطبوعا بالحقد فائرا بالانفصام وتحالف مع اليهودية المحلية ضدا على الإسلام(7).

ويصف معاملة الحكومة للجزائريين وصفا دقيقا وبارعا بأنها في معاملتها تمنع الماعون وتداوي الحمى بالطاعون وتبارز الإسلام بالمنكرات وتجاهر العربية بالعدوان(8).

وهذا الاستعمار لا يقصر في استعمال السيف والصليب ولا يتوانى في ابتداع الفتن واختراع أسباب الفرقة بين الأمة ولا سيما بين ما يسميه بالبربر والعرب بل إنه ابتدع منصب مفتي الحنفية وليس في الجزائر أي فرد حنفي سوى اسم مسجد(9).

كما وصف غياب الوعي في المجتمع الجزائري ولا سيما الأغنياء الذين ينفقون  أموالهم في الباطل(10).

والشيخ الإمام أعلن مبادئه للإصلاح من أول وهلة , فهو يرى ” أنه لا يبني مستقبل الأمة إلا الأمة”(11) وقد نص على هذا تحت عنوان المؤتمر الإسلامي الجزائري , وفي المقال الأول صدره في الصفحة الأولى بكلمات موقعة بلسان حال الجزائر المختصرة  في أن الجزائر شعب يعيش للعروبة والإسلام.

وهو يؤمن أن التغيير يبدأ من الذات لا من خارجها لذلك لا لوم على المعتدين “وإنما التبعة على الذين يملكون القدرة على التغيير ثم لا يغيرون وتواتيهم الفرص إلى الإصلاح ثم لا يصلحون”, لذلك فالاستعمار الغاشم والحكام الطغاة لا يعتدون ولا يهينون إلا من كانت فيه القابلية لتلقي العدوان وقبول الإهانة ويقول بكل صراحة ومرارة: ” لك الله أيها الشعب المعذب لقد هنت عليهم يوم هنت على نفسك…” ثم يقول:” أعنتهم في إفساد دينك وأخلاقك فارتفعوا وانحدرت , وأعنتهم على إفساد دنياك فاستغنوا وافتقرت, واجتمعوا وافترقت , وانتظموا وانتثرت, وجروك بمغوياتهم ومغرياتهم فانجرفت…(12)

وهنا يدعو الإمام إلى التحصن بالقوة لأن القوم لا يدينون إلا بها ولا يتفاهمون إلا بلغتها وأقوى أسباب القوة العلم , وأوسع أبوابها  العمل…يرى أن البطولة هي قرع  الحديد بالحديد لا قرع الحديد باللحم والدم(13). وقد حدد الشيخ الإمام مبادئ لنهضة إسلامية جزائرية كفيلة بتحرير هذا الشعب من داخله: دينه ولغته وشرفه وعرضه تمهيدا لتحرير سمائه وأرضه , يقول مخاطبا الأمة الجزائرية:” إنك لا تنهضين إلا بالعلم وإن نهضة لا يكون أساسها العلم هي بناء بلا أساس” ويرى أن الخط الأول: هو الابتدائي لأنه الخط الذي تبتدئ منه النهضات العلمية(14).

وقد حققت جمعية العلماء هذه الخطوة المباركة بتشييد مئات المدارس  ووجدت من الشعب الاستجابة والحماس وكذلك من بعض الأغنياء من داخل الجزائر وخارجها مثل المحسن محمد خطاب بالمغرب”(15).

ثم تلاها تأسيس معهد ابن باديس وهي الخطوة الثانية ليحتضن المتخرجين من السنة الخامسة من الابتدائي محددا لهذا المعهد أهدافا يجب أن يحققها:

1- تقوية التلاميذ في العلوم الدينية: علما وعملا.

2 – وفي القرآن حفظا وفهما.

3 – ترويض ألسنة الطلاب على القراءة والخطابة وأقلامهم على الإنشاء والكتابة.

4 – وتنشئة عقولهم على التفكير الصحيح.

5 – وصوغهم صياغة أخلاقية متقاربة.

6 – إعدادهم للإشراف على علوم الحياة من باب الرياضيات والطبيعيات.

7 – تهيئتهم تهيئة صحيحة وقوية للتعليم العالي(16).

ويرى أن الأمم تتفاضل وتتعالى بالبناء للخير والمنفعة والجمال والقوة، وما عدا هذه الأربعة فهو فضول عابث , وقد حقق أسلافنا الصالحون البناة ذلك: ببناء المساجد مظهرا للخير والمدارس مظهرا للمنفعة والحصون مظهرا للقوة , والعصور مظهرا للجمال…

ولا يمكن ترشيد هذه النهضة الجزائرية وتسديد خطواتها وتصحيح مناهجها وتوحيد اتجاهاتها وتعميق وعيها إلا بإصلاح ما فسد من دينها وما شكك في يقينها ، وما أفسد من عقلها وشل إرادتها ، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالمدرسة(17) وأساس العلم الأخلاق, فالأمم تؤتى من نقص في أخلاقها(18), كما يقول شوقي…

وكي تنجح المدرسة فلا بد أن يكون هناك منهاج موفق وموحد وأن تستدرك ما فات بعدم إضاعة الوقت فيما لا يجدي “ومن الحزم أن نتحاسب على الدقائق إذا تحاسب غيرنا على الساعات، وعلى الأيام إذا تحاسب غيرنا على الأعوام”(19) وقد صور الواقع والمثبطات والمعوقات التي تعترض سبيل مشروع العلماء فهنالك سبل وعرة وصراط أرق من الشعرة ومعوقات من الدهر ومعوقون من البشر تحيط بالمشروع من الأيمان والشمائل”(20).

والركن الأهم في المشروع هو المعلم الكفء:

وذلك بأن يكون قدوة لتلامذته ” وإن رأس مال التلميذ هو ما يأخذه من معلمه من الأخلاق, أما ما يأخذه من العلم والمعرفة فهو ربح وفائدة, ويوصي المعلم بتقوى الله وبالصبر وبالرفق والأناة وخفض الجناح للناس كلهم واجتناب مصارع الفضيلة ومراتع الغيبة وفطم النفس عن مراضع اللغو واللجاج وغير ذلك من سوء الأخلاق, التي هي مفتاح الشر وثقاب نار العداوة والبغضاء(21), وبما أن المعلم هو صورة مصغرة من جمعية العلماء ومرآة تنعكس عليه سلوكها ورسالتها فعليه أن يكون فوق الأحزاب والحزبية وأن يبتعد عنها لا سيما وأن هذه الأحزاب  كالميزاب جمع الماء كدرا وفرقة هدرا فلا الزلال جمع ولا الأرض نفع”(22)، وأن يكون مظهرا ومخبرا أمثلة صحيحة منها، ويجب أن يعلم المعلم:

” أن كل زلة منه ولو صغرت محسوبة على جمعية العلماء منسوبة إليه”(23).

ومهمة المعلم:

1 – أن يدير نفوس تلامذته على الدين وحقائقه.

2 – ويدبر أرواحهم بالفضيلة والخلق المتين.

3 – وألسنتهم على اللسان العربي ودقائقه.

4 – ويسكب في آذانهم نغمات العربية.

5 – وفي أذهانهم سر العربية.

6 – ويروضهم على الاستعداد للحياة الشريفة.

7 – ويقودهم بزمام التربية إلى مواقع العبرة من تاريخهم ومواطن القدوة الصالحة من سلفهم ومنابت العز والمجد من مآثر أجدادهم الأولين(24) . وهو يركز على السلف الصالح الذين بنوا هذه الأمة وأما أولئك المتأخرون الذين ضيعوا الأجيال المتعاقبة فإنه يلومهم على تفريطهم وضعفهم, لذلك قال مرة إن المسلمين كانوا يعيشون بين علماء يضلونهم وأمراء يذلونهم, وذلك عندما أصبح الملك عضودا والطبقة العلمية مناصرة لهم ومعضدة لظلمهم واستبدادهم بالإمارة دون شورى المسلمين.

8 – ويربيهم على استخدام المواهب الفطرية من عقل وفكر وذهن، وعلى صدق التصور وصحة الإدراك ودقة الملاحظة والوقوف عند حدود الواقع.

9 – ويربيهم على بناء الأمور على أسبابها والنتائج على مقدمتها علما وعملا(25).

10 – وعلى تحصيل ملكة التحليل والتعليل ومزج العلم بالحياة والحياة بالعلم.

11 – ويلح على تربية التلاميذ على الروح الإسلامية وهذا من اللازمات التي تكثر في وصايا الإمام في هذا المجال.

وتربيتهم في نفس الوقت على قوة المعاصرة وبأسها أي أن يجمعوا بين الفضيلة الإسلامية التي أساسها الروح والحق والخير وأن يلبسوا لبوس عصرهم الذي يبني الحياة على قاعدتين : إن لم تكن آكلا كنت مأكولا, وكن قويا تحترم (26), وغاية المدرسة العربية الحديثة :

تربية هذا الجيل وتعليمه.

وغاية الغايات من التربية:

1 – توحيد النشء الجديد في أفكاره ومشاربه.

2 – ضبط نوازعه المضطربة.

3 – تصحيح نظراته إلى الحياة.

4 – نقله من النطاق الضيق الذي يعيش فيه إلى مضطرب أوسع منه دائرة وأرحب أفقا وأصح أساسا.

وإذا استطاعت هذه المدرسة تحقيق ذلك تكون إذن قد صنعت لنا جيلا متلائم الأذواق , متحد المشارب , مضبوط النزعات ، ذا نظرة إلى الحياة واحدة, يسعى في طلبها بإرادة متحدة , يعمل لمصلحة دينه ووطنه بقوة واحدة في اتجاه واحد”(27).

ولم تكتف جمعية العلماء بمدارسها داخل الجزائر بل أوفدت وفودا طلابية  للقرويين بفاس وللزيتونة بتونس وللأزهر بمصر, وقد أرسلت المجاهد الشيخ الفضيل الورتلاني إلى مصر ليكون ممثلا للجمعية هناك ومشرفا على شؤون الطلاب الجزائريين، والشيخ الفضيل الورتلاني -رحمه الله- رجل يجب تخصيص ندوة عن علمه وجهاده وجهوده ومعاناته بعد الانقلاب باليمن, ومن فضل الله أني التقيت بالشيخ الفضيل -رحمه الله- في بيروت صيف 1953 وما زلت أذكر في بعض جلساتي معه أنه انفجر قائلا: يا فلان إما أن تقوموا لتقودوا الأمة بأنفسكم وإما قادها غيركم من عملاء الاستعمار وأصحاب المذاهب الهدامة  الذين هم أخطر على الأمة من الاستعمار؛ وقد شاهدت كتابه ” الجزائر الثائر ” في مطبعة جماعة عباد الرحمن وهو الذي عرفني بالأخ الحبيب اللمسي حفظه الله.

وقد اطلعت على رسالة اعتماد الشيخ الفضيل بقلم الشيخ الإبراهيمي ممثلا لجمعية العلماء في مصر والشرق ومشرفا على بعثاتها العلمية في تلك الديار…

وقد عشنا جنبا إلى جنب مع بعثة العلماء بمصر ابتداء من 1954 وكان منهم اخوة درسوا معي بكلية العلوم ومنهم:

الإخوة : الأستاذ السفير محمد الصباغ والأخ بوزيان التلمساني، والأخ نور عبد القادر ، كما التقيت بكثير من طلاب البعثة الجزائرية للجمعية في كل من دمشق وبغداد.

أما القرويين فقد عرفنا كثير منهم, وما زلت أذكر مأساة دار البعثة الطلابية  الجزائرية بفاس التي انهارت واستشهد فيها بعض الطلاب الجزائريين -رحمهم الله- وقد خرجت فاس بعلمائها وطلابها وسكانها في الجنازة الحافلة التي لا ننساها أبدا، وقد كتب الإمام الإبراهيمي كلمة هامة بالمناسبة , يقول عند سماعه الخبر المحزن.

فكأنني صُعقت لهول الحادثة وفظاعته ولم أحتمل سماع تفاصيل الحادثة  ممن سمعها من المذياع … وبقيت على تلك الحالة من التأثر ولا أستسيغ إعادة أخبارها ولا أنشط لكتابة كلمة عنها إذا حاولت “.

وقد أثنى على المحسنين من آل السبتي الذين تبرعا بدار كاملة المرافق للبعثة الطلابية الجزائرية بفاس.

والحقيقة أن المغرب كله ملكا وشعبا وقف بجانب هؤلاء الطلبة وما زلت أذكر حفلة التأبين التي قل مثيلها في المغرب…

هذا وإن لجمعية علماء الجزائر كثيرا من الفضل والأيادي على طلاب مغاربة كانوا يعبرون الجزائر إلى تونس ثم ليبيا نحو مصر، فقد أووا وساعدوا وسهلوا وأوصوا بالطلبة من لهم بتونس وهذه مكرمة من مكارم هذه الجمعية العظيمة يجب تسجيلها بل التأليف فيها.

كما لا أنسى لقائي المبارك صيف 1954 كلا من الإمامين الشيخ الإبراهيمي والشيخ الشهيد العربي التبسي, الذي أنابه أخوه الإبراهيمي لإلقاء محاضرة في نادي جماعة عباد الرحمن، وكان لي الشرف بتقديم المحاضر الذي ترك آثارا حميدة وطيبة في الحاضرين كما أن الشيخ البشير هو الذي وجهني فيمن وجهني لمتابعة دراستي بكلية دار العلوم ، قال : فإن لم تجد كلية اللغة بالأزهر فإن لم تجد فعليك بكلية أصول الدين “.

رحم الله رجال الجمعية ومن ناصرهم وآزرهم وحمل رسالتهم رحمة واسعة, ووفق إخواننا الذين استأنفوا السير وحركوا القافلة وجددوا رحالها وعبدوا عقبات واخترقوا سدودا وفيافي وأحيو هذه الجمعية العظيمة بإصدار البصائر وبلم شعث بقايا القيادات السابقة وعلموا خيرة طلابهم الذين أصبحوا علماء أجلاء وناصحين أدلاء، فعسى ربنا الكريم أن يبارك في خطواتهم ويزكي أعمالهم وينصرهم نصرا عزيزًا ويحيي بهم هذه المؤسسة الحضارية الإسلامية العظيمة.

***

الهوامش:

1-    وانظر روايات أخرى للحديث أوردها المؤلف: في كتاب الأحاديث الواردة, في فضائل المدينة- جمعا ودراسة للدكتور صالح بن حامد صعيد الرفاعي- ط الهلالي1413هـ-1992م- مركز خدمة السنة والسيرة النبوية- الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة).

2-    (وقد حدثني ابن أخيه أنه عاد إلى دينه بشهادة الأسرة كلها, وعاد ليستلم وزارة التعليم بالمغرب غير أنه أرغم على العودة إلى فرنسا).

3-    عيون البصائر للشيخ محمد البشير الإبراهيمي صفحة 86-طبعة دار المعارف

4-    نفسه ص 85 وانظر صفحات 178-179.

5-    نفسه ص 281.

6-    نفسه ص 68 وانظر صفحات 109-111.

7-    نفسه ص155- 156.

8-    نفسه ص281.

9-    نفسه ص 180-181.

10-       نفسه ص270.

11-       عيون البصائر 22 ربيع الأول 1355/12 يوليه 1936/29 ربيع الأول 1355/19يونيو 1936.

12-       نفسه ص 414.

13-       نفسه ص 415.

14-       نفسه ص271.

15-       نفسه ص653.

16-       نفسه ص272.

17-       نفسه ص277-279.

18-       نفسه ص283.

19-       نفسه ص280.

20-       نفسه ص281.

21-       نفسه ص283.

22-       نفسه ص284.

23-       نفسه ص289-290.

24-       نفسه ص283.

25-       نفسه ص291.

26-       نفسه 292.

27-       نفسه ص 295.

http://www.binbadis.net

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى